خبير في الأمم المتّحدة: لا يجدر بمراقبة المحتوى أن تعيق حريّة التعبير

أشار دايفيد كاي، مقرّر الأمم المتّحدة الخاص المعنيّ بحريّة الرأيّ والتعبير، قائلاً: “من أبرز المخاطر التي تهدّد حريّة التعبير على الإنترنت اليوم، غموض القواعد والالتباس الذي يحيط بها. وتتهرّب الدول من التزاماتها بموجب حقوق الإنسان عبر التوجّه مباشرة إلى الشركات، والطلب منها إزالة محتويات أو حسابات معيّنة، من دون تطبيق الإجراءات القانونيّة الواجبة، في حين أنّ الشركات غالبًا ما تفرض قواعد وضعتها بنفسها من دون أي مساهمة من الرأيّ العام، وتنفّذها بعيدًا عن الوضوح والشفافية. وعلينا أن نغيّر هذه الديناميّة كي يتمكّن الأفراد من أن يدركوا حقًّا القواعد المعتَمَدة وكيفيّة تطبيقها.”

يسمح الإنترنت بتبادل المعلومات والوصول إليها على المستوى العالميّ، إلاّ أنّه اتّخذ منحًى سلبيًّا خلال السنوات الأخيرة. وأكّد كاي أنّ كلاًّ من الحكومات والرأي العام غالبًا ما يرى الكراهية والإساءة والتضليل في المحتويات التي ينشرها المستخدمون على الإنترنت. وقد حمل الخوف من التضليل، والإرهاب والإساءة الإلكترونيّة، والكراهية وكره الأجانب عددًا من الحكومات إلى أن تكون غاية في الصرامة عند تنظيم المحتوى.

وقد نشر كاي مؤخّرًا آخر تقرير مواضيعيّ له، وينظر في تنظيم الدولُ ومقدّمو المحتوى، المحتوياتِ المنشورةَ على الإنترنت. وقد رفع تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان في حزيران/ يونيو 2018، وشدّد فيه على أنّه يمكن فرض الرقابة على ما يُنشَر على الإنترنت بكلّ سهولة ووضوح- طالما أنّنا نتذكّر دومًا أنّ قوانين حقوق الإنسان وقواعدها تغطّي أيضًا العالم الرقميّ.

وتابع قائلاً: “من الجليّ أنّ أحاديثنا والتقارير وتبادل المعلومات بمعظمها متوفّرة على الإنترنت في أيّامنا هذه. ولكن تديرها قواعد تبقى محجوبة عن الرأي العام. فعندما نكون على الإنترنت، قد لا نراها… ولكنّها موجودة فعلاً. ويسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على كيفيّة تطبيق هذه القواعد.”

وقد كشف استطلاع أجرته منظّمة بيت الحريّة (Freedom House)، وهي منظّمة تدافع عن الديمقراطيّة والحقوق، أنّ 65 في المائة من البلدان التي تم استعراضها فرضت رقابة على المحتويات السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة. إلاّ أنّ مساعي الحكومات بفرض قواعد صارمة تقوّض حريّة التعبير ويمكن أن يكون أثرها مثبطًا على الشركات التي قد تفرض بنفسها رقابة على المحتوى بسبب الضغوط الحكوميّة ولتفادي العقوبات.

وأفادت رابطة الاتّصالات التقدّميّة بأنّه “ليس من المستغرب أنّ منصّات الإنترنت تواجه ضغوطًا غير مسبوقة لاحترام قوانين الدولة بمراقبة المحتوى.” والرابطة هي منظّمة غير ربحيّة وغير حكوميّة تعمل من أجل ضمان الوصول الحرّ والمفتوح إلى الإنترنت. وقد لبّت، بالإضافة إلى عشرات المنظّمات والحكومات، نداء كاي لتقديم المساهمات تحضيرًا للتقرير. “وفي الواقع، تخضع المنصّات الإلكترونيّة إلى مطالب متضاربة: فطرف يطلب منها أن تراقب المحتوى المنشور بكلّ صرامة وبما يتناسب والقوانين الوطنيّة، وطرف آخر يعترض على اتّخاذها هذا النوع من القرارات بنفسها وتنفيذ مراقبة استباقيّة، خوفًا من انعكاساتها السلبيّة على حقوق الإنسان.”

ولحلّ قضيّة الرقابة الصارمة غير الشفّافة المفروضة على المحتوى، يدعو كاي كلًّا من المنصّات الإلكترونيّة والدول إلى اعتماد “الشفافية الجذريّة”. وينطوي هذا النوع من الشفافية على معرفة ما هي القواعد التي تعتمدها الدول والشركات لمراقبة المحتوى، والقواعد المتعلّقة بالمحتوى، وكيفيّة تطبيقها، وما هي إجراءات الاستئناف المتوفّرة، وأيّ نوع من المساءلة متاح عند إزالة المحتوى بطريقة غير مشروعة.

وختم كاي قائلاً: “ليست الرقابة المفروضة على المحتوى بحدّ ذاتها ما يقوّض حرية التعبير. فالرقابة ليست بمشكلة، ولكن لا بدّ لها من أن تحترم معايير حقوق الإنسان ومعايير حكم القانون.”