مهنة خطرة.. وصحفيون تحت مقصلة الحبس والاعتداءات

بعد ثورتين كبيرتين في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وبعد سقوط رئيسيين بسبب انتهاكهما لحقوق الشعب المصري وفي المقدمة منها حرية الصحافة والإعلام لازال الصحفيون في مصر يتعرضون لانتهاكات مروعة، تقوم بها السلطات بشكل رئيسي مستهدفة منع الصحفيين من نقل الوقائع من الأرض للجمهور، بينما دخل على خط الاعتداء على الصحفيين وانتهاك حق المصريين في الحصول على المعلومات مجموعات من المواطنين وفلول الإرهابوهكذا دفع الصحفيون ثمن نقلهم للحقيقة من أطراف متعددة سواء جهات حكومية أو مواطنين عاديين أو بعض المعارضين والجماعات الإرهابية.

ويأتي هذا التقرير كمحاولة من لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، والمنظمات الشريكة لها لرصد طبيعة هذه الانتهاكات ووسائلها، والقيود المفروضة على العمل الصحفي في مصر ، ووضع صورة كاملة عن معاناة الصحفيين ، أمام الجماعة الصحفية والرأي العام، حيث تزايدت الانتهاكات بشكل غير مسبوق، وأصبح العمل الصحفي، مهنة خطرة، تعود بنا لوضع أكثر سوءً من الوضع الذي كان سائداً في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك.

ويشمل التقرير عام 2015 ، وما جرى فيه من انتهاكات، جعلت العمل الصحفي في مصر مغامرة خطرة، قد تنتهي بصاحبها في السجن، وسط حالة من انعدام الشفافية، وإصرار مستمر من بعض أجهزة الدولة (خاصة وزارة الداخلية)، على استنساخ أساليب القمع ، وعودة ممارسات تكميم الأفواه واستهداف الصحفيين، وهو ما يدفع ثمنها ليس الصحفيون فقط ولكن الجمهور أيضا، الذي يعتمد على الصحافة للحصول على المعلومات الموثقة، التي لم تضع الدولة حتى الآن قوانين لتنظيم تداولها ويضاعف من أثر ذلك ترسانة قوانين تم وراثتها من عصور القمع تجعل الصحفي كمن يسير وسط حقل ألغام يحول بينه وبين ممارسة واجبه المهني.

كما يرصد التقرير محاولات الصحفيين للخروج من مأزق الانتهاكات التي يتعرضون لها وكسر هيمنة الدولة على وسائل الاعلام من خلال منظومة التشريعات الصحفية الجديدة التي تم الانتهاء منها حاليا، من خلال اللجنة الوطنية لوضع التشريعات الإعلامية تتويجا لنصوص الحريات في الدستور المصري.. ولكن ما يثير القلق إنه رغم التفاوض مع الحكومة على المشروع وقت حكومة المهندس إبراهيم محلب والخروج بنص موحد متفق عليه، تم نشره في الأهرام، ورغم وعود الرئيس عبد الفتاح السيسي وتعهدات رئيس الوزراء إبراهيم محلب لنقابة الصحفيين والإعلاميين ونقيبي الصحفيين الحالي و السابق يحيى قلاش وضياء رشوان بأن اللجنة الوطنية هي اللجنة الوحيدة المنوط بها وضع التشريعات هو خروج تصريحات من وزيرين بالحكومة هما المستشار مجدي العجاتي وزير العدالة الانتقالية، والمستشار أحمد الزند وزير العدل بوجود مشروع آخر غير المتفق عليه تقوم فلسفته بالأساس على عودة الهيمنة الحكومية على وسائل الإعلام من خلال تأسيس مجلس أعلى للإعلام تقوم السلطة التنفيذية بالهيمنة عليه وبعدها يتم إصدار القوانين الخاصة بالهيئات عبر هذا المجلس وتجاهل قوانين الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور أو تأخيرها .. يحدث ذلك بدعوى عدم دستورية مشروع القانون الموحد والذي تم التفاوض عليه والاتفاق مع الحكومة.. والذي شارك في صياغته ومراجعته دستوريا عدد كبير من كبار القامات القانونية والدستورية بينهم الدكتور علي عيد العال رئيس البرلمان المصري الحالي والذي كان عضوا في اللجان الوطنية للتشريعات الصحفية فضلا عن قيام عدد من الخبرات القانونية في الحكومة بمراجعته تمهيدا لإصداره بقرار بقانون من الرئيس وقت حكومة محلب وقبل أسبوع من رحيل الحكومة قبل 4 شهور من نهاية 2015 .

وتأتي التسريبات الخاصة حول مشروع القانون الحكومي، لتعيد من جديد المخاوف حول رغبة السلطة في بسط المزيد من الهيمنة على وسائل الإعلام بدلا من تحريرها من قبضتها إنفاذا لنصوص الدستور. . كما يأتي ذلك في ظل هجمة شديدة على الإعلام تستغل حالة الانفلات التي يعاني منها جانب منه بسبب عدم وجود قوانين لتنظيمه والتي وصلت ببعض الإعلاميين لعرض تسجيلات مسربة لنشطاء وسياسيين بينما قام آخرون بانتهاك الحياة الشخصية لمواطنين عاديين من خلال نشر صور للحياة الشخصية لإحدى الفتيات أو مقاطع فيديو جنسية منسوبة لمخرج شهير ومرشح برلماني ثبت عدم صحة نسبها فيما بعد ليتم تحويل مذيع الفيديو إلى لجنة التحقيق النقابية بنقابة الصحفيين والتي انتهت بإحالته للتأديب. وتجاوزت حالة الانفلات الإعلامي من خلال برامج لبث الجدل والشعوذة أو انتهاك حياة المتهمين في بعض القضايا .. فيما يتم تحريك دعاوى قضائية ضد الإعلاميين الجادين، وتهديد بعضهم بالسجن أو إحالتهم لمحاكم الجنايات ببلاغات من مسئولين بالدولة يأتي على رأسهم وزير العدل الحالي أحمد الزند والذي تقدم منفردا بـ 12 بلاغًا ضد صحفيين وإعلاميين تم إحالة 8 صحفيين بينهم 4 رؤساء تحرير في 4 بلاغات أحدها يعود لـ 3 سنوات للجنايات بينما يجرى التحقيق مع ما يقرب من 8 آخرين انتظارا لقرار إحالتهم.

ويزيد من حدة المخاوف حول إقرار القانون الموحد للصحافة والإعلام وخروجه بالصيغة التي تضمن استقلال الصحافة والإعلام، وتحافظ على وجود إعلام حر ومسئول إنفاذا لنصوص الدستور، هو إقرار الحكومة الحالية والبرلمان الجديد لقانون مكافحة الإرهاب الحالي، الذي يمثل ردة حقيقية على حرية الصحافة، ورغم انتفاض نقابة الصحفيين ضد القانون وتقديمها أكثر من 7 تعديلات عليه تخص حرية الصحافة بخلاف الملاحظات العامة والتي شاركت لجنة الحريات مع العديد من منظمات المجتمع المدني في صياغتها إلا أن الحكومة لم تأخذ بكل التعديلات التي قدمتها النقابة ولا الملاحظات الأخرى باستثناء تعديل محدود لاستبدال عقوبة الحبس في القانون بغرامة مبالغ فيها تصل لـ 500 ألف جنيه بما يفتح أبواب خلفية لسجن الصحفيين بل ومصادرة الصحف.. وخرجت النسخة الأخيرة من القانون مليئة بالعديد من المطاعن الدستورية التي تخص عمل الصحافة بل وتصادر الحياة العامة بعد أن تحول القانون إلى قانون طوارئ دائم .

ورغم الانتهاكات التي رصدها التقرير بحق الصحفيين والإعلاميين خلال الفترة الأخيرة فإن لجنة الحريات والمنظمات المشاركة في وضع التقرير لا يسعها إلا ان تشير لظهور مؤشرات ايجابية، لكنها غير كافية منها صدور قرارات وأحكام بالبراءة وإخلاء السبيل بحق 17 زميلا بينها حكم بتبرئة مصور شبكة يقين أحمد جمال زيادة بعد 487 يوما في السجن، وكذلك العفو عن 2 من صحفيي الجزيرة الإنجليزية وإخلاء سبيل ثالث وتبرئة الزميل أحمد ناجي من القضية المرفوعة ضده، في أول درجة رغم أنه لازال ينتظر الاستئناف، وكذلك إخلاء سبيل الزملاء أحمد مسعود اليوم السابع وأيمن صقر صحيفة المصريون ( رغم استمرار نظر قضيتهما ) .. وهي مؤشرات لا تكفي للقول بوجود اتجاه مختلف لدى الدولة للتعامل مع الصحافة ووسائل الإعلام في ظل استمرار حبس عدد كبير من الزملاء، بل والقبض على زملاء آخرين وإحالة عدد كبير للمحاكم وصل عددهم لما يقرب من 42 زميلا بينهم 27 قيد الحبس في قضايا متنوعة جانب كبير منها قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير، بخلاف عودة أحكام ازدراء الأديان والتي كان آخرها صدور أحكام بحبس الباحث إسلام البحيري والصحفية فاطمة ناعوت بتهم إزدراء الأديان بل ووصل الأمر لحبس مواطن بنفس التهمة في المنيا لقيامه بتصوير عرض مسرحي بالكنيسة . وكذلك في ظل تصاعد الشكاوى من انتهاكات يتعرض لها الزملاء المحبوسين على ذمة القضايا وصلت لحد تعذيبهم ومنع الزيارات عنهم ، وكذلك مواصلة أجهزة الأمن لاستهداف الصحفيين العاملين في الميدان خاصة المصورين خلال تغطية الأحداث، وهي الشكاوى التي رصدتها شعبة المصورين بنقابة الصحفيين وتمثلت في الاعتداء على الزملاء وتكسير الكاميرات والمنع من التصوير أو مسح الصور التي تم التقاطها للأحداث .. كان آخرها قبل أيام وخلال مباراة مصر وليبيا على استاد اسوان والتي تم الاعتداء على مراسلي اليوم السابع والشروق خلالهما وتكسير كاميراتهما .

كما يرصد التقرير دخول المواطنين العاديين لخط الاعتداء على الصحفيين والتي ظهرت في العديد من الوقائع خلال الفترة الأخيرة خاصة مع الصحفيين الميدانيين ووصلت لحد منع بعض الزملاء من ممارسة عملهم والاعتداء عليهم .

ولا يسع لجنة الحريات والمنظمات الشريكة من التنديد بالممارسات والعمليات الإرهابية ضد رجال الجيش والشرطة والمواطنين، والتي جاءت لتكمل الدائرة الجهنمية لاستهداف حرية الصحافة والإعلام وتقف عائقا أمام نقل وتدفق المعلومات للمواطنين، وهو ما ظهر في التهديدات التي طالت العديد من العاملين في مجال الإعلام وكذلك في استهداف أبراج الكهرباء المغذية لمدينة الإنتاج الإعلامي والبيان الصادر من أحد المجموعات الإرهابية بعدها بتبني التفجير والذي وصل لحد التهديد الواضح بالقتل، حيث أعلنت المجموعة أن قطع الكهرباء ليس بديلاً عن قطع الرؤوس والألسنةطبقا لنص البيان .. فضلا عن الاعتداءات التي طالت عدد من الإعلاميين وجاء الإرهاب الفكري المسكوت عنه من الدولة ليكمل الحلقة في صورة بلاغات حسبة عادت لتظهر من جديد وتودي بإعلاميين ومفكرين لغياهب السجون.

وبدلا من أن تتبنى الحكومة إستراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب ورغم صدور العديد من البيانات والتوصيات من قبل نقابة الصحفيين والعديد من مؤسسات المجتمع المدني من عدم استغلال الإرهاب كوسيلة للانتقاص من الحريات والاعتداء عليها، إلا أن الحكومة تجاهلت جميع التوصيات واختارت الطريق الأمني فقط للمواجهة، بل اختارت عزل جميع الفئات من خلال نصوص قانونية مطعون في دستوريتها تستهدف الانتقاص من الحريات العامة وفي القلب منها حريات الصحافة والتفكير كقانون الإرهاب .. أو عبر تجاهل المطالبات بتعديل أو إلغاء نصوص قائمة مثل نصوص الحسبة وازدراء الأديان تمشيا مع الدستور الجديد .

وترى اللجنة أنه رغم الانتهاكات التي تم رصدها التقرير إلا أن تظل هناك نقاط مضيئة وسط الأحداث بدأت بمواد الصحافة في الدستور والتي جاءت معبرة بشكل كبير عن أغلب طموحات الجماعة الصحفية، بالإضافة لإفراج الحكومة مؤخرا عن قانون تأسيس نقابة الإعلاميين بعد سنوات من الحفظ في الأدراج والذي يعد أحد أدوات اكتمال المنظومة الإعلامية، ويبقى أن استكمال هذه المنظومة بوضع تشريعات مكملة للدستور تعبر عن رغبة الجماعة الصحفية ربما تكون بداية الخروج من نفق السيطرة على الإعلام وتحريره من الهيمنة..

كما تلفت اللجنة لمؤشر إيجابي أخر وهو المتمثل في التوحد الأخير للجماعتين الصحفية والإعلامية حول القوانين والذي ظهر في شكل لقاءات واجتماعات منتظمة ضمت أغلب الهيئات والجهات العاملة في الإعلام أعلنت توحدها حول قانون الإعلام الموحد ، كما كان نتاج لهذه الوحدة خروج مدونة السلوك المهني للتصدي للانفلات الإعلامي، وتمهيدا لصدور ميثاق الشرف الإعلامي بعد تأسيس نقابة الإعلاميين . وكان أول استخدام لهذه المدونة في واقعة انتهاك الحياة الشخصية لأحد المخرجين .

للاطلاع على  التقرير كاملا  اضغط هنا