نحو إنهاء التمييز ضد النساء

نحو انهاء التميز ضد النساء
وسوم : -

ورقة موقف

اعداد

الكانبة الصحفية

نفيسة الصباغ

افتتاحية

تأتي تلك الورقة في  إطار أعمال برنامج  ” سند ” و الذي  يولي اهتماما خاصا بدعم وتمكين المرأة المصرية، ولما كانت إشكالية التمييز ضد المرأة المصرية بصورها المختلفة تأتي في مقدمة العقبات التي تحول دون تمكين المرأة المصرية سواء اقتصاديا أو سياسيا ، و عليه فأن تلك الورقة تستعرض أبرز   وأهم العقبات في سبيل الغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة في مصر. وتخلص الورقة الي أن النصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات بشكل عام والمعنية بحقوق المرأة بشكل خاص على الرغم من وجاهتها الا ان اغلبها لم يترجم بعد لتشريعات وطنية للعمل بموجبها، ليس هذا فحسب بل إن التشريعات والقوانين في حد ذاته غير كافية لتذليل تلك العقبات بل يجب أن يواكبها تطبيق فعلي على أرض الواقع و هو ما يحتاج الي توعية حقيقة، فالقوانين لابد لها من بيئة ملائمة كي يتم تطبيقها, كما أنها تستلزم أن يعرف الجميع بوجودها فيتحقق الردع للجناة ويتمكن المجني عليهن/عليهم من حقوقهن/حقوقهم في التقاضي لتحقيق العدالة.

مقدمة

ناضلت المرأة المصرية طويلا من أجل حقوقها الأساسية وسطرت إنجازات تاريخية ولا تزال تناضل رغم كل العقبات والصعوبات. في مرحلة الجمهورية شهد نضال النساء محطات متعددة وارتبط النضال النسوي بالنضال الوطني. وبعد يوليو 1952 حصلت المرأة المصرية على حق الترشح والانتخاب والعديد من المكتسبات التي قربت النساء من حقوقهن في المساواة وعدم التمييز. إلا أن حقوقا أخرى استمرت ناقصة وغير مسموح بها كالحق في تولي مناصب القضاء. استمر النضال وارتفع صوت النساء عبر الإعلام والسينما والأدب فظهرت مشكلات كثيرة تتعلق بقانون الأحوال الشخصية. وتم إدخال تعديلات متتالية على القانون خلال فترتي حكم أنور السادات وحسني مبارك.

وبعد ثورة 25 يناير كان لمشاركة المرأة دور هام وبارز في كل المحطات المختلفة, كتعبير حقيقي عن رغبتهن في الثورة على الموروت الثقافي الذي ينتهك حقوقهن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وكذلك السياسي. كانت المشاركة هذه المرة أكثر وعيا بأن النضال التسوي لا يجب أن يتوارى خلف النضال السياسي ولا أن ينزوي كجزء ضئيل منه. لكن يجب أن يكون واحدة من الأولويات. وتحملت النساء الانتهاكات والتحرشات الجماعية وحتى الاغتصاب ولم يتراجعن عن المشاركة في المجال العام. بل ناضلن حتى خرجت تشريعات تجرم التحرش الجنسي وكأن الأجساد التي تم انتهاكها كانت الثمن الذي تم دفعه لحماية باقي الأجساد مستقبلا.

ثم جاءت مشاركة النسويات في صياغة دستور 2014 تجسيدا حقيقيا للمشاركة النسائية السياسية وتم تضمين الدستور نصوصا تكفل المساواة والحقوق والحريات للنساء. وعلى سبيل المثال تنص “المادة 11 ” من الدستور على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية،  الاجتماعية والثقافية. وتضع على عاتق الدولة مسئولية  اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة  تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية  وحقها في تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها. كما تمنح المادة ٦ من الدستور الحق للمرأة المصرية في نقل الجنسية لأطفالها.

ولأن تلك الحقوق التي كفلها الدستور لم يتم تفعيل الكثير منها على أرض الواقع, يستمر نضال المرأة المصرية وهي تدرك جيدا أن الحقوق لا يتم تسولها ولكن يجري انتزاعها. وندرك أن الطريق مازال طويلا للوصول إلى مساواة حقيقية وتكافؤ فرص حقيقي على كل المستويات.

التحرش والفعل الفاضح التشريع العقابي المصري

من أهم الميادين التي حققت فيها النساء بعض النجاحات كان ميدان التشريع والقوانين. فبنص الدستور لم يعد الحديث عن حقوق المرأة ومكافحة التمييز ترفاً أو خياراً.  وقبل عام 2014 لم يكن هناك تجريم للتحرش وكانت الدعوات المتمسكة بالثقافة الذكورية السائدة تردد أن التشريع القائم كان كافيا.  وفي الحقيقة لم يكن في التشريع العقابي المصري سوى “التعرض لأنثى وخدش الحياء”. ولم يكن هناك تعريف محدد لجريمة التحرش حتى يوم 5/6/2014 حيث أصدر الرئيس السابق المستشار عدلي منصور تعديلاً تشريعياً وأصبح لدينا ولأول مرة تعريفا محددا لجريمة التحرش بتعديل نص المادة 306/مكرر أ. وأصبح التحرش جنحه معاقب عليها في صورتها البسيطة بالحبس مدة 6 أشهر وبحد أقصى ثلاث سنوات وغرامة ما بين ثلاثة آلاف حتى خمسة آلاف جنية أو إحداها. كما أن المجني عليه في جريمة التحرش قد تكون أنثى أو ذكر، وهو ما يعد تصحيحا لمفهوم كان سائدا وهو أن التحرش هو جريمة يتم ارتكابها ضد الإناث فقط.

وهناك أحوال متعددة لتشديد العقوبة إذا كانت تلك الأفعال بغرض الحصول على منفعة جنسية لتصل إلى الحبس لمدة 5 سنوات وغرامة تصل إلى 50،000 جنيه مصري. وأضاف المشرع إلى حالات تشديد العقوبة المنصوص عليها في المادة 267 من له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية أو استخدم ضغطاً وارتكاب الجريمة من شخصين أو أكثر أو احدهما يحمل سلاح وذلك لتوسيع نطاق التجريم ليشمل النطاق الأسرى، الدراسي، وأماكن العمل ، ويمثل خطوة رئيسية نحو تحقيق السلامة للنساء والفتيات المصريات في الأماكن العامة والخاصة.

ويتعامل التشريع المصري مع التحرش باعتباره الأقوال والنظرات والإشارات التي لم تصل إلى حد ملامسة جسد المرأة بأي شكل من الأشكال، فالصور المختلفة لجريمة التحرش قولا أو ايماءة أو إشارة أو ملاحقة أو أي صورة أخرى جميعها يتم تجريمها متى كانت ذات مدلول جنسي وذلك دون أن يحدث أي اتصال من أي نوع مع جسد الضحية. فإذا ما لامس الجاني جسد الضحية فتلك “جناية” هتك العرض وعقوبتها أكبر من جريمة التحرش.

لا تزال الجريمة منتشرة حيث تواجه المبلغات صعوبات فيما يتعلق بعبء الإثبات وأيضا بالخوف من الوصم المجتمعي. إلا أن المشكلة الأخيرة تتراجع مع زيادة الوعي برفض التحرش وتحقير مرتكب تلك الجريمة.  وفي هذا السياق يمكن اعتبار جرائم مثل الاستمناء العلني- كما حدث في واقعة المترو الشهيرة وكما يحدث يوميا- جرائم تحرش كما أنها ينطبق عليها نص جريمة “الفعل الفاضح”. المشكلة في تلك النوعية من الجرائم هي أن النساء لا يدركن أنها تندرج تحت نصوص قانونية تجرمها بالفعل. المشكلة الأخرى هي الخوف والارتباك الذي يصيب المرأة لدى مشاهدة مثل ذلك الفعل والفكرة الأولى التي ترد بخاطر غالبية النساء هي الهرب من محيط الشخص الذي يقوم بتلك الفعلة.

هتك العرض والاغتصاب في القانون المصري

هتك العرض هو جناية وفقاً لقانون العقوبات يفترض ركنها المادي ملامسة جسد الضحية بأي صوره من الصور رغما عنها وفي اي مكان من جسد الضحية ولو لم يكن مكان ذا مدلول جنسي متى تم هذا التلامس دون إرادتها الحرةبل ولو كان هذا التلامس من قبيل التفتيش الوقائي أو حتى القضائي (فالمرأة لا يجوز أن يتولى تفتيشها سوى امرأة)، بينما الشروع في هتك العرض هو محاولة ملامسة جسد الضحية وعدم اكتمال فعل الملامسة لسبب خارج عن إرادة الجاني.. أي أن الجاني حاول وفشل نظراً لهروب الضحية مثلا أو تصدي الغير للحيلولة دون وصول الجاني للضحية.

الجريمة تعاقب عليها عدد من مواد قانون العقوبات المصري  منها المادة 268 “كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبع.  وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة أو كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267 يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقرر للأشغال المؤقتة. وإذا اجتمع هذان الشرطان معا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة”

 كما أن المادة 269 “كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس وإذا كان سنة لم يبلغ سبع سنين كاملة أو كان من وقعت من الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة”

وهنا فرَّق القانون فيما إذا تمت الجريمة باستخدام القوة أو التهديد أودونهما كما وضع بضعة ظروف من شأنها تشديد العقوبة على الجاني. فجريمة هتك العرض قد تقع على ذكر أو أنثى والأخيرة هي الصورة الغالبة. وهي في صورتها البسيطة تقع على ضحية سنها أكبر من 18 عاماً وباستخدام القوة أو التهديد عقوبتها السجن المشدد من 3-7 سنوات. أما إذا كانت الضحية لم تبلغ 16 عاماً على الأقل أو إذا كان الجاني ممن لهم سلطة على الضحية أو ولاية ما كالأب أو المدرس، تشدد العقوبة لتصبح السجن المشدد المؤقت، فإذا اجتمع الشرطان كأن تكون الضحية أقل من 16 سنة والجاني من ذوي السلطة عليها تصل العقوبة إلى السجن المشدد المؤبد.

أما الاغتصاب فهو جريمة تشترط المعاشرة الجنسية الكاملة والطبيعية بين الجاني والضحية. أما الاغتصاب باستخدام الأدوات المختلفة أو الاغتصاب الشرجي يتم العقاب عليه باعتباره “هتك عرض”. وهو المشكلة التي تعتبر بمثابة قصور تشريعي لأن القانون لا يعتبر المعاشرة الشرجية أو الفموية أو باستخدام الأيدي أو أي أدوات اغتصاباً . وهو القصور الذي ينبغي تداركه فمن غير المتصور أن تكون عقوبة من يغتصب فتاة سنها أكبر من 18 عاماً “اغتصاباً شرجياً” حدها الأقصى سبع سنوات بينما من اغتصب ذات الفتاه بعلاقة جنسية طبيعية قد تصل عقوبته إلى الإعدام.

المعركة من أجل الولاية وقانون الأحوال الشخصية

لا تزال النساء المصريات يعانين في ظل قانون سيء للأحوال الشخصية. القانون الذي تم سنه منذ أكثر من مائة عام لم يعد صالحا بأي حال للواقع الذي نعيشه اليوم على الرغم من كل التعديلات التي دخلت عليه ولم تقترب أي منها من إقرار المساواة بين الرجال والنساء في هذا القانون. فأصبح من أكثر القوانين ذات البعد الاجتماعي تعبيرا عن ثقافة أبوية يسودها هيمنة الرجال مما يضع الكثير من العقبات أمام النساء وأيضا أمام الأبناء القاصرين بدلا من حماية الأسرة والأطفال حال انفصال الأبوين.

وفي إطار المطالبة بقانون أحوال شخصية مدني موحد تم بذل الكثير من الجهود خلال السنوات الماضية, وخلال العام الجاري تم تدشين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتوضيح بعض المشكلات التي يسببها القانون الحالي للمساء والأطفال على حد سواء. وتكشف تلك المشكلات التي تحدثت عنها النساء عن تحول القانون الحالي إلى “حالة عنف ضد المرأة”.  بدأت الحملة بدعوة من مؤسسة المرأة والذاكرة لكل من اصطدمت بتعليمات أو قوانين ظالمة في تعاملها مع مدرسة أطفالها، أو مؤسسات الدولة، أو البنوك، أو المحاكم، لأن ليس لديها حق الولاية على نفسها وأولادها، بمشاركة حكايتها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

الحملة كشفت العديد من أنماط المعاناة التي تلاقيها النساء بسبب القوانين المجحفة التي تم وضع أساسها قبل أكثر من مائة عام والتي يسعى البعض إلى تشديدها في القانون الجديد بدلا من تعديلها لتكون أكثر ملاءمة للعصر الحالي. ورغم الدستور الجديد وإقرار المساواة وعدم التمييز إلا أن تلك القوانين البالية لا تزال توفر البيئة الملائمة لاستمرار التمييز على أساس النوع الاجتماعي.  فقانون الأحوال الشخصية يتعامل مع النساء والأطفال باعتبارهم جميعا “في ذمة الرجل” ومسئوليته الشخصية. غير أن الواقع يقول أن الوضع الآن مغاير تماما لما كان عليه وقت سن القانون فالنساء يخرجن للعمل ويكسبن قوتهم ويتحملن جانبا كبيرا من عبء نفقات الأسرة. فنسبة النساء المعيلات اللاتي تعتمد عليهن أسرهن ماديا بلغت 40% من عدد الأسر المصرية. وبالطبع تشارك النساء بنسب مختلفة في غالبية الأسر الأخرى.  كيف يمكن أن يستوي هذا الوضع مع عدم قدرتها في التصرف رسميا في أموال أبنائها التي هي في الحقيقة أموالها الشخصية التي منحتها لهم؟

نفس هذا الوضع غير السوي هو ما يجعل النساء اللاتي يتحملن كل مسئوليات الدراسة والتعليم من توصيل إلى المدارس والدروس ومذاكرة ومتابعة, لكن ليس لهن حق التعامل مع المدرسة باعتبارهن أولياء أمور للأبناء.. لأن الولاية في هذه الحالة حق للأب. فعلي سبيل المثال لا يحق للأم استلام “التابلت” الذي أقرته وزارة التربية والتعليم مؤخرا في المدارس.  لأنه عهدة “ولي الأمر”؛ وبالتالي لابد وأن يوقع الأب شخصيا على الاستلام, أو أن يوثق خطاب تفويض بالاستلام للأم, باختصار لأنه “لا ولاية للأم” على أبنائها؛ وهو الأمر الذي يربك الأمهات والآباء معا.  كما أن المرأة لا تكون قادرة على ضم أبنائها لخدمات التأمين الصحي التي تشترك فيها لأن كل الجهات المختلفة تتعامل مع الأطفال باعتبارهم ملكية شخصية للأب وليس للأم. كما يمنح القانون الأب القدرة على السفر بالأبناء للخارج بينما يمنع الأم إلى بمصاحبة الأب أو موافقته الكتابية. وبالتالي فهروب الأب بالأبناء وحرمان الأم من رؤيتهم مسموح وفق القانون.

الولاية المالية للأم مشكلة أخرى, فمن حق الأم أن تفتح حسابات بنكية لأبنائها أو تدخر لهم من مالها الخاص, لكن حق التصرف في تلك الأموال قبل أن يتم الأبناء 21 عاما يكون من حق الأب فقط وليس الأم. وإذا قرر مثلا والد الأم أن يترك بعض الأموال لأحفاده من ابنته لا يمكن لتلك المرأة الحصول على ما تركه أبيها لأحفادها بينما عليها أن تستدعي زوجها كي يتحصل على أموال أبيها التي كتبها لأطفالها.

هذا بخلاف قدرة النساء على تزويج أنفسهن, فلابد من وجود رجل من عائلة المرأة كي يمكنها الزواج حتى وإن كان عمرها يتجاوز 21 عاما. بينما على الجانب الآخر يحق للأب أو أحد رجال العائلة تزويج ابنته حتى وإن كانت قاصرا يمكنها عقد قرانها عرفيا بقرار منفرد منه. نفس الوضع بالنسبة لتصريح الزواج للمصريات المسيحيات فالكنيسة تستلزم أن يكون أحد الرجال هو من يستخرج إذن الزواج للمرأة بغض النظر عن عمرها. ولدى تسجيل المواليد, لا يحق للأم أو أي من عائلتها تسجيل ابنها او ابنتها واستخراج شهادة ميلاده الأولى حتى مع وجود قسيمة الزواج. فقط الزوج أو أحد الرجال من عائلته يمكنهم تسجيل المواليد الجدد.

كل تلك التفاصيل اليومية الصغيرة التي تعاني منها النساء هي فقط نماذج للضرر الذي يحدثه عدم منح النساء السلطة على أنفسهم وعلى أطفالهن.

قانون موحد لمكافحة العنف ضد النساء

لا تزال المؤسسات النسوية ومنظمات المرأة تعمل على تفعيل مواد الدستور المصري عبر تعديلات تشريعية تجرم التمييز والعنف ضد النساء وتدعم المساواة مع الرجال. ومع موجة الشهادات الأخيرة حول معاناة النساء من العنف المنزلي والمجتمعي وخاصة بعد جريمة “قتيلة السلام”. حيث كان مقتلها نتيجة مباشرة لانتهاك المجتمع لحياة النساء الشخصية واعتبارهن “ملكية مجتمعية” يتشارك فيها الأهل والجيران وحتى بواب العمارة. هذا بخلاف ما سبقها من انتهاك لطفلة على يد رجل كما أظهر مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وقبلها وقائع وشهادات الاغتصاب، والتحرش، وهتك العرض التي تم توجيه اتهامات بها للطالب “أحمد بسام زكي”. بالإضافة إلى جريمة الفيرمونت بكل تفاصيلها وما أحدثته من صدمة للرأي العام. 

كل تلك الأحداث التي تتابع الكشف عنها خلال شهور قليلة تؤكد بوضوح على احتياج حقيقي لتعديلات جذرية في القوانين من خلال إصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء. من شأن مثل هذا القانون تخصيص فصل كامل لتحديث وتوسيع تعريفات أشكال مختلفة من العنف ضد المرأة، بما فيها مفهوم الاغتصاب للجنسين من البالغين أو القصر، وجرائم التتبع والملاحقة على شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى انتهاك حصوصية النساء والتشهير بهن في أوساط الجيران خاصة من يعشن بمفردهن أو مع أطفالهن دون وجود رجل بالبيت. كما يفرض تدخل عملي وفاعل فيما يخص تعريف أصحاب المصلحة بغرض تيسير آلية التبليغ، وحماية الشهود والمبلغين، وتوفير حماية للبيانات الشخصية لكل الأطراف في جرائم العنف الجنسي.

كما سيكون بمقدور هذا القانون العمل على توفير الدعم النفسي وإعادة تأهيل الناجيات من العنف بمختلف أشكاله. ويمكنه دعم ضحايا تشويه الأعضاء التناسلية للنساء (ختان الإناث).  فبعد التعديل الأخير بقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، في المادتين (242 مكررا)، و(242 مكررا أ) تم التأكيد على أن ختان الإناث هو أحد أشكال العنف الممارس ضد أجساد النساء دون أي سبب علمي.  وتنص التعديلات التي جاءت بتجريم ختان الإناث على ما يلى:

“يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختاناً لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية أو سوّى، أو عدّل، أو شوّه، أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مُستديمة، تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت، تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 10 سنوات”.

كما نصت التعديلات في المادة (242 مكررا أ) على أن ” يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه، على النحو المنصوص عليه بالمادة  (242 مكررا)، كما يُعاقب بالحبس كل من روّج، أو شجع، أو دعا بإحدى الطرق المبينة بالمادة (171) لارتكاب جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر”.

 ووفقا لهذا التعديل الذي جرم كافة الوسائل الداعية والتي كان يستخدمها البعض من أجل دعم وتأييد ممارس عملية الختان ضد الإناث أصبح القانون يعاقب على كل من روج أو دعا لأهمية ختان الإناث حتى لو لم يترتب عليه أثر . وبالتالي جاءت التعديلات بمثابة اعتراف المباشر بحق النساء في جسد سليم دون عنف لأن العقوبة قبل التعديل كانت مرهونة  بحالة “ضرورة” إجراء عملية الختان من عدمه.

الخاتمة

 في النهاية نؤكد أن نضال النساء المصريات كان ومازال هو السر الحقيقي وراء كل تعديلات تشريعية وتغيرات ثقافية. كما أن نشر الوعي والتعديلات التشريعية هما الركيزتان الأساسيتان لضمان حقوق النساء. وبالتالي يجب العمل على استكمال المسيرة على عدة مستويات بالتوازي: استمرار الحركة النسوية في عملها من أجل المساواة والعدالة لنساء مصر, وأيضا استكمال تنقية البنية التشريعية المصرية من كل المواد التميزية ضد النساء. بالإضافة إلى الإسراع في صياغة وإقرار القوانين الجديدة المكملة للدستور المصري من أجل إقرار المساواة وعدم التمييز. من بين تلك التشريعات قانون جديد للأحوال الشخصية لا يحتوي موادا تميزية ويراعي مصالح النساء, وقانون لمكافحة كافة أشكال العنف ضد النساء وأيضا مفوضية التمييز.

بخلاف ذلك التوعية لها دور أساسي, فالقوانين لابد لها من بيئة ملائمة كي يتم تطبيقها, كما أنها تستلزم أن يعرف الجميع بوجودها فيتحقق الردع للجناة ويتمكن المجني عليهن/عليهم من حقوقهن/حقوقهم في التقاضي لتحقيق العدالة. التوعية تعتمد بالأساس على الإعلام لكنها أيضا تستلزم تعاون المؤسسات الدينية ومراكز الشباب والمؤسسات الثقافية المختلفة. هذا التعاون من شأنه الوصول لأكبر عدد ممكن من المواطنات والمواطنين والإسراع بتحقيق الهدف وأيضا التعرف على المشكلات الحياتية التي تعوق تطبيق المساواة بين النساء والرجال.