حيثيات حكم محكمة القضاء الاداري ضد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام

وسوم : - - - - -

حيثيات حكم محكمة القضاء الاداري الدائرة الثانية بالقاهرة في الدعوى رقم 24105 لسنة 73ق جلسة 3/2/2019
المقامة من مرتضى أحمد محمد منصور ( عن نفسه وبصفته رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك للألعاب الرياضية)
ضد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (بصفته)
بطلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر من المدعي عليه بصفته بتاريخ 15/1/2019 برقم (3) لسنة 2019 ، فيما تضمنه في مادته الأولى من منع استضافته في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والالكترونية والصحف لمدة شهرين باستثناء ما يكون متعلقاً بصفته النيابية أو بمناسبة الأعمال البرلمانية التي يجريها مجلس النواب، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليه بصفته المصروفات.

حكمت المحكمة: بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، فيما تضمنه في مادته الأولى من منع استضافة المدعي في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والالكترونية والصحف لمدة شهرين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى عليه بصفته مصروفات الشق العاجل من الدعوى، وأمرت بإحالة الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها

وجاء في حيثيات الحكم :-
أن الدستور المعدل والصادر في يناير 2014 قد كفل حرية التعبير، وخول كل مواطن مصري حقه في التعبير عن رأيه بمختلف الوسائل، وكذا كفل حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والالكتروني ، وحظر على نحو قاطع أن يفرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية، أو أن تصادر أو يتم وقفها أو إغلاقها ، واستثنى من ذلك أحوال الحروب والتعبئة العامة، على أن تكون الرقابة المفروضة عندئذ محددة بشكل واضحة وإمعاناً من الشارع الدستوري في حماية الحقوق والحريات بصفة عامة، فقد ألزم الدولة بما تصدق عليه من اتفاقيات ومواثيق دولية متعلقة بحقوق الإنسان، وأسبغ عليها قوة القانون بعد أن يتم نشرها. وفي هذا السياق ، كفل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هو الآخر حرية التعبير، وحدد تخومها وعرفها بأنها حق كل إنسان في أن يتلقى مختلف المعلومات والأفكار وأن يعبر بدوره عنها وينقلها إلي الآخرين بالوسيلة التي يرتنيها، سواء في ذلك أن تكون تلك الوسيلة مكتوبة أو مطبوعة أو أن تتخذ طابعاً فنياً، وأجاز فرض قيوداً عليها بشرط أن تكون محددة بنص القانون. ورغبة من الشارع الدستوري في حماية حرية الصحافة والإعلام والحافظ على استقلالها وضبط الأداء الإعلامي بما يحافظ على الأصول والأخلاقيات المتعارف عليها وكذا مقتضيات الأمن القومي، فقد أنشأ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وأولاه شخصية اعتبارية مستقلة، واختصه بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي والصحافة المطبوعة، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون. ونفاذاً لذلك، فقد صدر القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ووجه خطابه إلي الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الالكترونية وفرض أحكامه عليها، وردد ذات مضمون الأحكام الدستورية الخاصة بحرية الصحافة والطباعة والنشر والحظر التام على فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها ، وحظر على المؤسسات الصحفية والوسائل الإعلامية والمواقع الالكترونية نشر أو بث ما يتعارض مع أحكام الدستور أو يدعو إلي مخالفة القانون أو النظام العام أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية أو يتضمن طعناً في أعراض الأفرادن أو سباً أو قذفاً لهم، وأناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات حيال ذلك ومنها منع تداول المادة المخالفة، وأجاز القانون الطعن على القرار الصادر في هذا الشأن أمام محكمة القضاء الإداري . وعدد القانون الاختصاصات التي للمجلس أن يتوسد إليها تحقيقاً لأهدافه ، والتي منها تلقي وفحص الشكاوى المتعلقة بما ينشر بالصحف أو بوسائل الإعلام ويكون من شأنه الطعن في سمعة الأفراد أو التعرض لحياتهم الخاصة، وأوكل القانون إلي المجلس حال ذلك اتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات تجاه الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية المخالفة، وأجاز له إحالة الصحفي أو الإعلامي إلي النقابة المعنية لمساءلته تأديبياً. وقد أناط القانون بالمجلس وضع لائحة بالجزاءات والتدابير الإدارية والمالية التي يجوز توقيعها على الصحف ووسائل الإعلام حال مخالفتها لأي من أحكامه وكذا إجراءات التظلم منها. وأورد القانون بعض الجزاءات التي يجوز أن تتضمنها تلك اللائحة . وأوجب القانون أن يكون قرار الجزاء مسبباً وبعد أن يجرى المجلس فحصاً وافياً للموضوع، على أن يكون لذوي الشأن الطعن على قرارات الجزاء أو التدابير المعنية أمام محكمة القضاء الإداري بعد التظلم منها. وختاماً ، فقد أورد القانون حكماً مفاده أن قرارات المجلس ولوائحه ملزمة ونافذة في مواجهة كافة المؤسسات الصحفية والإعلامية وكذا جميع الوسائل الإعلامية والالكترونية ، ولا يترتب على قرارات المجلس وقف تنفيذها إلا إذا قرر المجلس ذلك أو قضت المحكمة المختصة به.

وحيث إنه من المعلوم بالضرورة أن حرية التعبير تنبع من فيض الكرامة الإنسانية التي أنعم بها المولى عز وجل على البشرية جمعاء، وهي تعد أحد الأعمدة الرئيسية في بنيان الحقوق والحريات الذي أنشأة النظام القانوني المصري ، بحسبانها الأصل الذي يتفرع عنه العديد من الحريات الأخرى الاجتماعية والثقافية والفكرية ، كحرية العقيدة وحرية الإبداع والنشر والصحافة وحرية البحث العلمي، وتعتبر حرية التعبير أحد أهم الوسائل الذي يتمكن من خلالها الفرد من تحقيق ذاته والمشاركة بفاعلية في مجتمعه، وهي بهذه المثابة ترتبط بعلاقة وثيقة بقيمة الانتماء والمفاهيم الخاصة بنمو المجتمعات وتقدمها.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في هذا الخصوص بأن حرية التعبير تمثل في ” ذاتها قيمة عليا لا تتنفصل الديمقراطية عنها، وتؤسس الدول على صونها مجتمعاتها صوناً لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل تطوير بنيانها وتعميق حرياتها، وإن جاز القول بأن لحرية التعبير أهدافها التي يتصدرها بناء دائرة للحوار العام لا تنحصر آفاقها، ولا أدواتها تدني الحقائق إليها، فلا يكون التعبير عن الآراء حائلاً دون مقابلتها ببعض وتقييمها ولا مناهضتها لآراء قبلها آخرون، مؤدياً إلي تهميشها، ولا تلقيها عن غيرها مانعاً من ترويجها أو مقصوراً على بعض جوانبها، ولا تدفقها من مصادر نزدريها مستوجباً إعاقتها أو تقييدها، كذلك فإن إنمائها للشخصية الفردية وضمان تحقيقها لذاتها، إنما يدعم إسهامها في أشكال من الحياة تتعدد ملامحها بما يكفل حيويتها وترابطها”.
(حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية بجلسة 7/2/1998)

وكذا قضت المحكمة الإدارية العليا بأن ” الوثائق الدستورية قد أجمعت على أن حرية التعبير وإبداء الرأي هي من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المواطن فحق المواطن فيها مرده إلي أصل عام هو إنسانيته ، وكونه جزءاً من جماعة الوطن لا يفيد من حقوقه الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها، بل تمتعه بهذه الحقوق يشد وثاقه بالوطن فيغدو أكثر ارتباطاً وأعمق انتماءً”.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 25478 و 26851 لسنة 59 قضائية عليا، بجلسة 17/11/2013)

وحيث إنه برغم ما لحرية التعبير من مرتبة عليا في مدارج النظام العام المصري، فإنها ليس لها من ذاتها ما يعصمها من التقيد ، فهي ليست من الحريات المطلقة، ذلك أن أثرها لا يقتصر على صاحب الرأي وحده، بل يتخطاه إلي غيره، وقد يشمل المجتمع بأسره، ومن ثم فإنه يجوز تقييدها درئاً لغمط حقوق الآخرين، أو حال وجود مصالح أخرى ترجحها، إلا أنه من الشروط التي يتعين أن تتوافر في القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير – كما ذكرت المحكمة آنفاً – أن يتم النص عليها صراحة في القانون.

وفي ذلك ذهبت اللجنة المعنية بالتعليق على نصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية – والمنشأة بموجب نص المادة (28) منه – إلي أن ممارسة الحق في حرية التعبير تستتبع واجبات ومسئوليات خاصة ولهذا السبب يسمح بمجالين حصريين من القيود المفروضة على الحق يتعلقان، إما باحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة . وأفادت اللجتنة أيضاً أنه لا يجوز فرض قيود على حرية التعبير إلا وفقاً للشروط الواردة بالفقرة (3) من المادة (19) من العهد الدولي ، والتي منها أن تكون تلك القيود محددة بنص القانون.
(التعليق العام رقم (34) بخصوص المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الدورة الثانية بعد المائة، يوليو 2011 ، فقرة رقم 21 ، 22).

وحيث إنه على هدى ما تقدم جميعه ، ولما كان الثابت من الأوراق، وبالقدر اللازم للفصل في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون عليه، أنه بناء على عدة شكاوى وردت إلي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد المدعي ، بشأن تجاوزه حدود اللياقة وأدب الحوار خلال إدلائه بحديث عبر الهاتف إلي برنامج الزمالك اليوم المُذاع على قناة الحدث الفضائية، يومي 7، 9/1/2019 ، بأن أسند اتهامات مرسلة ودون دليل تطعن في شرف وذمة رئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي منافس، وبناء على توصية لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي بالمجلس المدعى عليه، وحفاظاً على مقتضيات الأمن القومي بعدم التحريض على إثارة الجماهير الرياضية المصرية والتطاول عليها والتحقير من شأنها ومن شأن رموز الرياضة المصرية، فقد أصدر المجلس المدعى عليه قراره الطعين بتاريخ 15/1/2019 متضمناً في مادته الأولى منع استضافة المدعي في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والالكترونية والصحف لمدة شهرين، باستثناء ما يكون متعلقاً بصفته النيابية أو بمناسبة الأعمال البرلمانية التي يجريها مجلس النواب.

وحيث إنه ولما كان القانون رقم 180 لسنة 2018 المذكور، قد أوكل السلطات والاختصاصات السالف ذكرها إلي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وذلك في مواجهة الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الالكترونية، بحسبانها المسئولة عما تقدمه من مواد صحفية وإعلامية، فإنه لا يجوز للمجلس أن يجنح عن ذلك وأن يباشر أي من تلك السلطات أو الاختصاصات في مواجهة المواطنين، وهذا هو مؤدى الإجراء الوارد بالقرار الطعين، وما انطوى عليه عملاً ، بما أفضى إليه من حرمان المدعي من الظهور الإعلامي للفترة المذكورة، وإن كان ظاهر هذا القرار أنه يخاطب وسائل الإعلام والصحف.

وحيث إنه وإذ أناط الدستور بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسئولية وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحافظ على مقتضيات الأمن القومي، وأوجب عليه القانون اتخاذ الإجراءات المناسبة اللازمة لبلوغ تلك الغايات ، وخوله من الاختصاصات والسلطات، وأتاح له استخدام العديد من التدابير وتوقيع ما يراه ملائماً من الجزاءات المعينة له في هذا المقام، إلا أن التنظيم القانوني لصلاحيات المجلس – والسالف بيانه تفصيلاً – قد جاء خلواً مما يجيز للمجلس سلطة منع استضافة المواطنين في وسائل الإعلام والصحف، على نحو ما ورد بالقرار الطعين، ومن ثم فإنه لا يحق للمجلس إصدار مثل هذا القرار، ولا مجال للاستنباط أو القياس في هذا المقام، إذ أن القيود المتعلقة بحرية التعبير لابد وأن يتم النص عليها صراحة في القانون، وفقاً لما ذكرته المحكمة آنفاً، ولا غرو في ذلك بحسبان حرية التعبير من الحريات الأصيلة التي كفلها الدستور وأكدت عليها المواثيق الدولية، لما لها من أهمية محورية في الدولة الحديثة على نحو ما سلف شرحه، ومن ثم فإنه يتعين أن تخضع القيود المفروضة عليها للإجراءات المتطلبة لصدور القانون، بما يحيط بها من ضمانات، وما تتسم به من تمحيص وتروي ، لتخرج في النهاية معبرة عن إرادة المشرع الذي ينزه عن ثمة خطأ أو اندفاع.

ولا ينال مما تقدم قالة أن القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإٌعلام قد فوض المجلس، بموجب نص المادة (94) منه، في وضع لائحة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على الصحف ووسائل الإعلام، إذ أن تلك اللائحة لم تصدر حتى تاريخ حجز هذه الدعوى للحكم، كما أن الجزاءات والتدابير التي أجازها القانون لم تشتمل على الإجراء الوارد بالقرار الطعين، وكان للمجلس أن يستخدم أي منها ليبلغ ذات الأهداف التي توخاها بإصدار ذاك القرار.

ولا يقدح في ذلك أيضاً ما جاء بمذكرة الدفاع المقدمة من نائب الدولة من أن للمجلس المدعى عليه الحق في منع استضافة المدعي في الوسائل الإعلامية، بحسبان القانون رقم 180 لسنة 2018 المذكور – بموجب نص المادة (94) منه – قد أناط به سلطة منع نشر أو بث المادة الإعلامية المخالفة لفترة محددة أو بصفة دائمة، فذلك قياس في غير محله، فمشمول ما يصدر عن الإنسان أعم وأوسع نطاقاً من أن يتم وصفه بأنه مادة إعلامية، فضلاً عن أن افتراض أن المدعي لن ينطق إلا بما لا يتعين الاستماع إليه خلال مدة منع استضافته إعلامياً ينافي الفطرة الطيبة التي تلازم النفس البشرية منذ خلقها وما تأصل فيها من نزوع دائم إلي الخير، فإن كان المجلس المدعى عليه قد ارتأى أن ما أفصح عنه المدعي من شأنه الإخلال بمقتضيات الأمن القومي، فلا يمكن القول بأن ما سيصدر عنه خلال فترة المنع لن يخرج بحكم اللزوم عن هذا الإطار. هذا بالإضافة إلي أن القياس في هذه الخصوص غير جائز قانوناً كما ذكرت المحكمة آنفاً.
وحيث إنه وإذ شاب القرار المطعون عليه ما تقدم من مثالب، فإنه يكون قد صدر ، بحسب الظاهر من الأوراق ودون التوغل في الموضوع، بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون، وهو مما يجعله مرجح الإلغاء لدى نظر الموضوع، ومن ثم فإن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه يكون متوافراً.
المستشار / إسلام توفيق الشحات
نائب رئيس مجلس الدولة