مشروع قانون الإجراءات الجنائية
بين العدالة والإفراط
أ / طارق عبد العال
المحام والخبير القانوني
تقرير قانون الاجراءات الجنائية بين العدالة الافراط
تمهيد:
إن الشرعية في مبناها الأساسي تعنى ألا يكون التشريع بشكل إجمالي وتفصيلي مخالفاً للدستور، وأنه إذا التزمت السلطة التشريعية ما نص عليه الدستور، فإن أعمالها تتفق مع أصول الشرعية، غير أن السلطة التشريعية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة، وهو ما يجعل هذه السلطة بمنأى في بعض الأحيان عن الرقابة الدستورية. فلا تخضع السلطة التشريعية لرقابة المحكمة الدستورية العليا فيما تصدره من تشريعات إعمالاً لسلطتها التقديرية ، ما لم تخالف بها أهداف الدستور، ويظهر ذلك المعنى بشكل أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالتشريعات الجنائية بشقيها ” الإجرائي والموضوعي “، ودور المحكمة الدستورية العليا في استجلاء المخالفة لأهداف الدستور يفترض أن يكون هذا الإخلال واضحاً ظاهراً جلياً بحيث يكشف عن انتفاء الضرورة أو عدم التناسب في التجريم والعقاب ، دون أن يحتاج الأمر إلى مراجعة السلطة التقديرية للشارع والتي تقوم على اعتبارات الملاءمة في اختيار أفضل الوسائل لتحقيق المقاصد التي توخاها الدستور ، وفي ذلك المعنى فقد قضت المحكمة الدستورية العليا في حكمها بتاريخ 6 يناير سنة 2001 بأن ” الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعبر عن تخوما لها، لا يجوز اقتحامها أو تخطيها ، وكان الدستور إذ يعهد إلى أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية بتنظيم موضوع معين فإن القواعد القانونية التي تصدر عن أيهما في هذا النطاق لا يجوز أن تنال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وإلا كان ذلك عدوانا على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها”.
وبناء على ذلك فإنه، على المشرع حينما يخطط أو يشرع في معالجة موضوع بعينه فعليه ألا يتجاوز أو يجور على حقوق الأفراد العامة بالمصادرة أو الانتقاص، أو بما يفرغها من مضمونها، وعلى الرغم من أن التحديات القانونية لمواجهة الجريمة بشكل رئيسي تبدو هامة وحاسمة في ظل عصر يجب أن تسود فيه قيم دولة القانون، والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث باتت هذه القيم جزءً من الضمير العالمي. ومن هنا احتلت مواجهة الجريمة جانبا مهما من مسئوليات النظام القانوني متى تتم المواجهة من خلال التوازن بين متطلبات مكافحة و منع الجريمة أو العقاب عليها أو ضبط الجناة، وبين متطلبات حماية حقوق الإنسان. فبغير الثقة في النظام القانوني وسيادة القانون يكون الكفاح والسعي ضد الجريمة ناقصا. وكما قيل، فإن سبل التجريم يجب أن تٌكافح بسلاح العدالة، وأن الفكرة الفاسدة يجب مكافحتها بفكرة صالحة، ولا يجوز أن يعالج الضرر بضرر مثله، ويجب حماية القانون بالقانون.
وإذ لاشك في كون النظم القانونية المحترمة يجب أن تستمد وجودها من منطلق الاحتياج المجتمعي لتنظيم أمر من أموره تشريعياً، إذ إن عملية الضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات والمصالح عبر وجود قواعد وأحكام هو ما أطلق عليه اسم القانون، ويجب ألا تخرج الغاية العليا للتنظيم القانوني أو القواعد القانونية عن تنظيم أوجه النشاطات المجتمعية، ويفك الاشتباك بين أوجه السلوك الإنساني المختلفة والمصالح المتباينة، وبمعنى أكثر نضجا لا يتواجد القانون إلا إذا تواجدت الحاجة المجتمعية إليه، إذ لا حاجة ولا قيمة حقيقية للنصوص القانونية إذا ما خرجت عن احتياجات المجتمع، أو إذا ما تجاوزت في تنظيمها لأمر من الأمور لمعنى الاحتياج المجتمعي، فخرجت بذلك عن مضمون الحماية المقررة بالقانون إلى الميل أو التجاوز عن الهدف الأساسي للقاعدة القانونية. لا يمكن بحال من الأحوال تصور الوصول إلى العدالة الناجزة في المواد الجنائية، والتي لا تقف إلا عند حد توقيع العقاب الملائم على المتهم جزاءً بما اقترفت يداه، كذلك الأمر أو ربما أشد فلا يمكن تصور تحقق تلك الغاية المتمثلة في معاقبة المجرمين، إلا من خلال إجراءات جنائية تصون حقوقهم، في كافة مراحل التقاضي، بداية من لحظة القبض عليهم، نهاية بتنفيذ العقوبة المقضي بها، أو القضاء بتبرئة من تم تقديمه للمحاكمة، وإذ أنه لما كان التشريع «القانون» هو السند الذى يتوقف عليه تنظيم ممارسة ورسم حدود الحقوق والحريات، فالتشريع على هذا النحو هو السند الذى يتوقف عليه تنظيم ممارسة ورسم حدود الحقوق والحريات، فإن ما تقره التشريعات من القواعد القانونية في شأن هذا الموضوع، لا يجوز أن ينال من الحقوق التي كفل الدستور أصلها، سواء بنقضها أو بانتقاصها من أطرافها ويتعين أن يكون منصفا ومبررا، وبالتالي فإنه لا يجوز للسلطة التقديرية للمشرع أن تتجاوز أو تنحرف عن الأهداف الدستورية في طريقة وكيفية مباشرته لاختصاصه الفريد، وقد اشترط الدستور لتحديد قواعد الإجراءات الجنائية مستندا إلى مبدأ عام، وهو الثقة في القانون لتنظيم الحريات.
وإذ أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي تتوجه الدولة إلى إطلاقه بعد أن صاغته في صورته الأولى وأرسلته إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب، قد جاء على حسب النسخة المتداولة منه، على هيئة لا تحقق مطالب المجتمع والاحتياجات الحقوقية، أو بما يتناسب مع ما يرتجيه المجتمع من قانون ينظم الإطار الحاكم للمحاكمات الجنائية، وقد ورد به العديد من النقاط التي تؤثر على حسن قيام منظومة العدالة الجنائية، وتوجه إلى مزيد من التحكمات السلطوية في مواجهة حقوق المواطنين وحرياتهم، وسوف نستعرض في هذه الورقة لأهم النقاط ذات المنحى التأثيري في هذا المشروع، قاصدين بذلك توجيه نظر القائمين على هذا القانون، وذلك على النحو التالي:
أولاً – عدم اتباع قواعد الدستور ” القوانين المكملة للدستور :
على الرغم من كون مجلس النواب في أجازته السنوية، فقد تم عرض القانون على اللجنة التشريعية به، وعلى الرغم من كون قانون الإجراءات الجنائية من القوانين المكملة للدستور، بحسبه أحد أهم التشريعات المنظمة لعمل السلطة القضائية، وبحسبه من القوانين المرتبطة بتنظيم الحقوق والحريات.[1] وقد كانت المنظومة الدستورية المصرية قبل الدستور الأخير تقتضي عرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى ” مجلس الشيوخ “، والقوانين الأساسية أو المكملة للدستور، هي مجموعة القوانين التي تصدر عن البرلمان سواء من تلقاء نفسه أم بتكليف من المشرع الدستوري، والمتعلقة بتنظيم السلطات العامة في الدولة واختصاصاتها وكيفية ممارستها لوظيفتها، أي إنها تتعلق بموضوعات دستورية في جوهرها.[2]
وعلى الرغم من أن المشرع الدستوري قد جعل لهذه القوانين شرطاً خاصاً حال التصويت عليه من مجلس النواب، وهو شرط الثلثين، إلا أنه لم يسلب مجلس الشيوخ من إبداء الراي فيه، بحسبه من القوانين المتربطة بشكل مباشر بالقواعد الأساسية للدستور، والمرتبطة بالوظيفة القضائية من ناحية، ولمتربطة بمجموعة كبيرة من المبادئ الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات.[3]
إلا أنه يبن في الأفق حتى هذه اللحظة أنه قد تم أخذ اي مجلس الشيوخ في مشروع قانون الإجراءات الجنائية من عدمه، حتى وإن كان النص الدستوري قد جاء في مادته 249 أن يؤخذ رأي مجلس الشيوخ في ” مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب “، فإن ذلك لا يعني أن يكون العرض مشروطاً بوجوب الإحالة من مجلس النواب أو من رئيس الجمهورية، بحسب التفسير السطحي، ولكن وجوب أن يحيل رئيس الدولة أو مجلس النواب هذه المجموعة من القوانين إلى مجلس الشيوخ لخطورتها ودقة موقفها، وهذا ما يتفق مع موقف المحكمة الدستورية في هذا الأمر، حتى وغن كان ذلك قبل صدور الدستور المصري لسنة 2019 .[4]
وبناء على تلك القواعد، وانطلاقاً من أهمية قانون الإجراءات الجنائية، فإنه يجب أن يتم عرضه على مجلس الشيوخ المصري إصداره.
ثانياً- الحبس الاحتياطي:
يعد الحبس الاحتياطي من أهم موضوعات قانون الإجراءات الجنائية خطورةً، ذلك على أساس أنه يمثل نقطة توازن بين مصلحتين شرعيتين متعارضتين، فمن ناحية أولى، ينبغي إقراره للمحافظة على أمن المجتمع وسلامته، وذلك بتدعيم سلطة الدولة حتى يتيسر لها أداء المهام المنوطة بها لحماية المجتمع بحيث تكون الإجراءات التي تتخذها الدولة وتمس حرية الفرد خاضعة لتنظيم القانون، فالمصلحة العامة وترسيخ النظام العام في المجتمع يحتم ألا تكون الحقوق والحريات الفردية مطلقة بل تخضع لتنظيم القانون، حرصًا على سلامة المجتمع. ومن ناحية أخرى فإن الأفراد يتمتعون بالحقوق والحريات الأساسية التي يكفلها لهم الدستور والقانون، ولذلك ينبغي تدعيم هذه الحريات وعدم حرمان أي فرد من حريته. ومما لا شك فيه أن الحبس الاحتياطي يعتبر من أخطر إجراءات المحاكمة الجنائية السابقة على صدور الحكم القضائي البات، فهو يؤدي إلى إيذاء الفرد في سمعته ومصالحه وأسرته، فيعرض سمعة المتهم للتشويه، ولمعاناة مادية ومعنوية على جميع المستويات، العائلية أو المهنية أو الحياة الاجتماعية بشكل أعم وأشمل، يعتبر الحبس الاحتياطي أحد إجراءات التحقيق صادرًا عن السلطة المختصة، يتم بمقتضاه إيداع المتهم السجن فترة زمنية محددة قابلة للتجديد حتى ينتهي الأمر إما بالإفراج عنه أثناء التحقيق الابتدائي أو المحاكمة، وإما بصدور حكم في الدعوى ببراءته أو بالإدانة والبدء بتنفيذ العقوبة عليه.
وإذا كانت تشريعات الإجراءات الجنائية تسعى في مقامها الأساسي، بما تتضمنه من قواعد تنظم أمور الحبس الاحتياطي، أن تحافظ على المشروعية وحماية حقوق المواطنين حال توجيه اتهامات جنائية لهم، فإنها من باب أولى ورئيسي يجب أن تتوجه للحفاظ على حقوقهم وحرياتهم خلال مراحل تداول الدعوى الجنائية بداية من لحظة الاتهام حتى نهاية القضية، ومن باب رئيس فإن كل مراحل الدعاوى الجنائية يجب أن تدار من خلال احترام مبدأ أن الأصل في الإنسان البراءة، وبالتالي فإنه لا يجب أن تطغى إجراءات المحاكمة على تلك القاعدة ولا أن تتجاوزها، وهو الأمر الذي له علاقة وطيدة بموضوع الحبس الاحتياطي، وكيفية تنظيمه في التشريع المصري، بما يسمح بتقرير الحبس لمدد طويلة.
وبعد مطالعة مشروع القانون، تبين أنه يعالج موضوع الحبس الاحتياطي في المواد أرقام 112 : 124 ، لكن الملاحظة الرئيسية على هذا المشروع أنه لم يأت بأي جديد، إلا النذر اليسير فيما يخص الحبس الاحتياطي، حيث أجاز الحبس الاحتياطي في مواد الجنح بما لا يتجاوز ثلاثة اشهر، إلا إذا كان المتهم قد تمت إحالته غلى المحكمة المختصة. وفي مواد الجنايات أجاز الحبس الاحتياطي لمدة تصل إلى خمسة أشهر، وفي حالة التعدي يجب الحصول على إذن من المحكمة المختصة، بما يجيز حبسه لمدة خمسة وأربعين يوما، أو لمدد أخرى مماثلة، وذلك جميعه بما لا يتجاوز أربعة أشهر في مواد الجنح، واثنا عشر شهرا في مواد الجنايات، وثمانية عشر شهرا في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو المؤبد، ثم أجاز مشروع القانون أنه لمحكمة الجنايات المستأنفة ولمحكمة النقض في أحوال الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد لمدد أخرى بما لا يجاوز سنتين.
لكن الجديد الذي يذكر، هو ما اورده مشروع القانون بخصوص الكفالات المالية، وهو ما جاء النص عليه في الفصل الثامن تحت عنوان ” الإفراج المؤقت “، وهو ما نظمته المواد من 125 : 134 ، وأهم ما يمكن الإشارة إليه هو كيفية مصادرة الكفالات، والتوسع في ذلك الأمر عن قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وهو ما جاء النص عليه في المادة 127 ، 129 من مشروع القانون، والتي خصصت أولهما مصادرة الكفالة كجزاء لتخلف المتهم عن حضور أي إجراء من إجراءات التحقيق والدعوى والتقدم لتنفيذ الحكم، ويخصص النصف الآخر للمصاريف التي صرفتها الحكومة، والعقوبات المالية التي قد يحكم بها.
كما اكدت المادة 129 على أنه غذا لم يقم المتهم بغير عذر مقبول بعدم تنفيذ أحد الالتزامات المفروضة عليه يصبح الجزء الأول من الكفالة مملوكا للحكومة،
ويبدو أن الدولة تتوجه بهذين النصين لمصادرة الكفالات بشكل واسع، إذ أنه من المتوقع أن تقوم النيابة بالعديد من الإجراءات في غيبة المتهم، او دون علمه مما يسمح لها بمصادرة نصف الكفالة، كما أنها لم توضح ماهية المصروفات التي تصرفها الحكومة، فهل المقصد هو تحميل المتهم عبء التقاضي المالي كاملاً.
ثالثاً- إهدار قواعد المحاكمات العادلة:
إذ أن تعديل قانون الإجراءات الجنائية بشكل عام من الأمور ذات الحساسية المفرطة لتعلقه بكيفية ضمان حقوق وحريات المواطنين، وبالتالي فيجب أن يتم ذلك الأمر على نحو من الدقة والمهنية، بما يضمن أن تكون القواعد الجديدة متماشية بصورة كبيرة مع التزامات مصر الدولية والحقوقية، التي ضمنتها الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت عليها مصر، بخلاف ما حدده الدستور المصري من قواعد وجب الالتزام بها، وتحقيقها على أرض الواقع من خلال تضمينها للقواعد القانونية، وعلى الرغم من ان ذلك القانون على الرغم من أهميته قد طالته يد التعديل بموجب القانون رقم 1 لسنة 2024 ، وهو التشريع الذي كان في مقامه الأساسي محققا لضمانة دستورية محصلتها، أن يكون التقاضي في أمور الجنايات على درجتين، إلا أنه قد جاء به العديد من النقاط السلبية، والتي تناولتها الأقلام حينها.[5]
إلا أن مشروع القانون المتداول حاليا، قد جاء كذلك مخيباً للآمال في العديد من النقاط المرتبطة بالمحاكمات العادلة، ذلك على الرغم من قيمة وأهمية المحاكمات العادلة في قيام الدولة الديمقراطية، وكيفية أن يكون المسار القانوني ديمقراطيا في ذاته، إذ تُعدّ الديمقراطية إحدى القيم الأساسية التي ينبغي أن يجسّدها مضمون القانون، وإذا كان مفهومَا دولة القانون والديمقراطية منفصلين نظريًا، فإنه يمكن عدّهما من الأدوات القانونية والسياسية الضرورية لعملية الانتقال الديمقراطي، حيث إن بناء دولة القانون يُعدّ من أهداف العملية الديمقراطية، وبالمثل، فإن خضوع الدولة للقانون لن يكون فعالًا إلّا حينما تكون قاعدة القانون معبّرة في محتواها عن مبادئ الديمقراطية وقيم الحقوق والحريات.
حيث أن دولة القانون تقتضي لالتزام بمبدأ ” خضوع الدولة للقانون”، والذي بات من أهم ما يميز صفات الدولة الحديثة، بحيث يقصد بها ذلك النظام المؤسسي الذي تكون فيه السلطات العامة مقيدة بالقانون في ممارسة سلطتها، فدولة القانون بعبارة أخرى هي تلك الدولة التي يسمو فيها القانون، وتكون القواعد القانونية فيها متدرجة على شكل هرمي، بحيث تستمد كل قاعدة صحتها من القاعدة الأسمى منها درجة. ويفرض تحقيق دولة القانون توفير مجموعة من الضمانات أهمها: سيادة القانون، التدرج الهرمي للقواعد القانونية، المساواة أمام القانون، الفصل بين السلطات، الاعتراف بالحقوق والحريات، واستقلالية السلطة القضائية. تعتبر دولة القانون نتيجة وتجسيدا للحكم الديمقراطي وأبرز العناصر المكونة له، وهو ما تسعى لتحقيقه أغلب المجتمعات المعاصرة.
لكن مشروع القانون المعروض، قد جاء به العديد من النقاط المتعلقة بإهدار قيمة العدالة:
- – التوسع في اختصاصات مأموري الضبط القضائي ( رجال الشرطة )
وقد جاء ذلك في نص المادة 63 من هذا المشروع بنصها على أنه:
فقرة 2 – كما يجوز لعضو النيابة من درجة مساعد نيابة عامة على الأقل أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم.
فقرة 3 – ويكون لمأمور الضبط القضائي المندوب في حدود ندبه كل السلطات المخولة لمن ندبه، وله أن يجري أي عمل آخر من أعمال التحقيق وأن يستوجب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلا بالعمل المندوب له ولازما لكشف الحقيقة.
لست أدري هل يعقل كل هذا الخلط ما بين عمل النيابة العامة ” كسلطة تحقيق “، وبين عمال رجال الشرطة بوصفهم رجال ضبط قضائي، وكيف يمكننا التمييز حينها ما بين محضر الاستدلال، وبين التحقيق القضائي؟ ولماذا الخلط الذي يصل إلى درجة المزج م بين سلطة القبض وسلطة التحقيق؟
ومن زاوية دستوري هل يتوافق ذلك مع ما جاء بنص الدستور المصري، من أن النيابة العامة هي من يتولى التحقيق، بحسبها سلطة قضائية.[6]
كما أن الأمر بصورة أكثر توسعا، يذهب مع ما جاء النص عليه في المادة في المادة 25 من هذا المشروع والذي توسعت في تعداد من لهم صفة الضبط الضبط القضائي، فأضافت لهم ضباط الشرف ومندوبي الأمن وضباط الصف ومراقبوا الأمن ومعاونوا الأمن بقطاع الأمن الوطني.
إذن فلكل هؤلاء حال انتدابهم أن يقوموا بعمل من أعمال التحقيق.
وكذلك فإن رقابة أعمال النيابة العامة على ما يقوم به رجال الشرطة قد انعدمت في ظل هذا المزج الذي لا يتفق مع تحقيق العدالة.
سماع الشهود:
والشهادة يقصد بها قول الشخص بحق ما للغير على الغير وذلك على وجه الجزم في القضاء ويتحمل الشاهد مسئولية ذلك الاقرار والقول امام كافة الاطراف وأمام القضاء ويتم الحكم من القضاء بناء على تلك الشهادة، سواء أمام المحاكم المدنية غاو المحاكم الجنائية و تعتبر الشهادة فرض كفاية استناداً لقوله تعالى: ” ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه”. فالشهادة تعدّ أكثر الأدلة الجنائية شيوعا في المجال العلمي، وأكثرها إقناعا للقضاء فهي تأتي من حيث الأهمية بعد الاعتراف الذي يقال بأنه “سيد الأدلة”.[7]
وقد نظم قانون الإجراءات الجنائية أمر سماع الشهود في العديد من المواد أهمها المادة 110 والتي تنص على أنه يسمع قاضى التحقيق شهادة الشهود الذين يطلب الخصوم سماعهم ما لم ير عدم الفائدة من سماعهم، وله أن يسمع شهادة من يرى لزوم سماعه من الشهود عن الوقائع التي تثبت أو تؤدى إلى ثبوت الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءته منها، بخلاف أحكام سماع الشهادة الواردة في النصوص اللاحقة لذلك النص، ثم جاء التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 1 لسنة 2024 ، وبشكل أخص نص المادة 379 والمعنية بسماع الشهود في القضايا الجنائية، وقد أجاز ذلك النص أن من حق المحكمة أن تعترض على سماع الشهود، أو في المجمل تقرر من يُسمع شهادته، ومن لا تُسمع شهادته، وهو من الامور التي تخل بحقوق المتهم في تحقي دفاعه، وهو الأمر المتصل بتحقيق المحاكمات العادلة، كما أن ذلك يتعارض مع ما أرسته المادة 14 / ه من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو من النصوص الملزمة للدولة.
إلا أن ما جاء به مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي ما زال في حيز العرض والمناقشة، وبحسب النسخة المنشورة على المواقع الإخبارية، فقد عالج موضوع الشهود النصوص من 86 : 97 من ذلك المشروع، والمادة الأساسية في الموضوع هي المادة رقم 86 ، والتي أجازت للنيابة العامة سماع من ترى سماعه، ولكن الجيد في الأمر أن النصوص المستحدثة قد ألغت النص الوارد بالقانون رقم 1 لسنة فيما يتعلق بما ورد بها من قصور في سماع الشهود.
وإذ أن الشهادة من الأدلة الهامة في الدعوى الجنائية ، لا بل إنها عماد الإثبات فيها لأنها تقع في أكثر الأوقات على وقائع مادية لا تثبت في مستندات، وليس الشأن في المسائل الجنائية كالمسائل المدنية التي تحصل غالباً بناء على اتفاق بين الخصوم يُدرَجُ في محرر ، فالجريمة عندما تقع لا يمكن تصور وجود اتفاق بين الجاني و المجنى عليه على ارتكابها كما لا يمكن إثباتها مقدماً وإقامة الدليل عليها، كثيراً ما تُميط الشهادة اللثام عن المجرم، أو أن تُبريءَ ساحة المتهم فتكون لها الغلبة في بعض الأحيان وعليها يترتب الحكم بالإدانة أو البراءة.
كما جاءت المادة 92 من المشروع الجديد بكلمة ” عند الانتهاء من سماع الشهود يجوز للخصوم إبداء ملاحظاتهم عليه ” والأمر الجوازي يحتمل الحجب والاتاحة، بما يتوافق مع رغبة المحقق، وهو ما يتنافى بشكل رئيسي مع تحقيق دفاع المتهم وتعليقه على شهادة الشهود، وهو الامر الذي كان يجب أن يكون مبناه الرئيسي على الوجوب وليس الجواز. كما أن ما جاء في نص المادة 526 من مشروع القانون، في فقرتها الأخيرة بقولها: ولها بحسب الأحوال أن تقرر منع الكشف عن الشخصية الحقيقية للشهود بكافة وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة المناسبة أثناء الإدلاء بأقوالهم.
إذن ما اراده المشرع في هذه النصوص، هو أن يكون الأمر برمته في مشيئة النيابة العامة أو المحكمة، فلها أن تجيز ولها أن تمنع، ذلك على الرغم من كون العمل الأصيل لها هو تبيان الحقيقة، والسعي الدؤوب لتحقيقها بكافة الطرق، وعدم حرمان المتهمين حقوقهم في الذو عن مصالحهم وتبرئة ساحتهم مما ينسب إليهم من اتهامات.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فيما يخص الشهود، حيث جاء في الكتاب السادس، في الباب الأول منه، من هذا المشروع، تحت عنوان ” حماية المجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين ” ، وخصوصا في المواد 519 ، 520 ، 521، 522 : حجب بيانات الشاهد، بناء على طلب منه شخصيا، أو لأحد مأموري الضبط القضائي، وذلك لحمايته، مع جواز طعن المتهم على هذا القرار، وجواز مناقشته دون الكشف عن هويته، بل عاقبت المادة 522 من يدلي ببيانات عن هوية شخصية الشاهد.
وأرى أن الأمر به بعض التجاوز في صياغة تلك النصوص، حيث لا يمكن أن يكون الهدف حماية النص يتعارض مع أن يعلمه أطراف الدعوى، خصوصا في الحالات التي تجد فيها معرفتهم بشخص من يشهدون عليه، أو الحالات التي تكون الشهادة مرتبطة بأشخاصهم. هنا يجب أن تدق التفرقة في الصياغة، ولا يكون الأمر كله في حوزة السلطة بناء على رغبة مأمور الضبط.
– التوسع في المنع من التصرف في الأموال، والمنع من السفر:
وهو الأمر الواضح من نص المادة 143 من المشروع، والتي أجازت لجهات التحقيق أن تطلب ذلك كإجراء تحفظي في جرائم التعدي على المال العام، وأرى ان ذلك يكون منطقيا، في حالة ضبط أموال مرتبطة بالجريمة، وليس في المطلق.
وكذلك الأمر بخصوص ما جاء بنص المادة 147 من ذلك المشروع فيما يتعلق بالمنع من السفر.
وذلك المنع قد جاء التأكيد عليه في المادة 368 المتعلقة بالأحكام الغيابية في مواد الجنايات، والتي استلزمت الحرمان من التصرف في الأموال مع كل حكم غيابي.
إذ أن هذه النصوص على صياغتها الحالية تتعارض مع قرينة البراءة، والتي يجب أن تكون عليها أساساً جميع المحاكمات الجنائية، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في العديد من مبادئها[8]، منها ما جاء فيه أنه ” وحيث إن أصل البراءة يمتد إلى كل فرد سواء أكان مشتبها فيه أو متهما باعتباره قاعدة أساسية في النظام الإتهامي أقرتها الشرائع جميعها لا لتكفل بموجبها حماية المذنبين، وإنما لتدرأ بمقتضاها العقوبة عن الفرد إذا كانت التهمة الموجهة إليه قد أحاطتها الشبهات بما يحول دون التيقن من مقارفة المتهم للواقعة الإجرامية، ذلك أن الاتهام الجنائي في ذاته لا يزحزح أصل البراءة الذي يلازم الفرد دوما ولا يزايله سواء في مرحلة ما قبل المحاكمة أو أثنائها وعلى امتداد حلقاتها وأيا كان الزمن الذي تستغرقه إجراءاتها، ولا سبيل بالتالي لدحض أصل البراءة بغير الأدلة التي تبلغ قوتها الإقناعية مبلغ الجزم واليقين بما لا يدع مجالا معقولا لشبهة انتفاء التهمة، وبشرط أن تكون دلالتها قد استقرت حقيقتها بحكم قضائي استنفد طرق الطعن فيه.
كما أنه يتعارض مع التزام الدولة بما ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من الاتفاقيات الحقوقية.[9]
الإضرار بحق الدفاع:
ويعد ضمان الحق في الدفاع أحد أهم مفردات وجود الحق في المحاكمات العادلة والمنصفة، إذ بعدم توافر الحق في الدفاع لا يمكن أن يتصور أينا أن هناك تحقق للمحاكمات العادلة، ولا يكون توافر ذلك الحق بشكل صوري أو ما يضمن تحققه نصه، بل يجب أن يكون هناك دفاعاً حقيقياً يحقق للمتهم كافة حقوقه في الذود عنه ورد التهم، حتى ولو لم يكن له دفاعاً مختاراً في حالات عدم القدرة، حيث يجب على الدولة أن تضمن له ذلك الدفاع بكافة ضماناته منذ لحظة المثول أمام جهات التحقيق حتى نهاية القضية بالحكم النهائي، واقصد بذلك أن يتولى القضية محام قادراً على الدفاع تتاح له فرصة الحصول على صورة كاملة من أوراق الدعوى، وتتاح له الفرصة الكاملة والوقت الكافي اللازم لتحضير دفاعه، كما يجب ان يتاح له فيها كذلك ما يعن له من استدعاء شهود أو أهل خبرة، كما يجب أن تتاح له الفرصة كاملة في تقديم مذكراته أو التعقيب على مرافعة النيابة أو مذكرات الخصوم.
وأهم ما يمكن ذكره لتوضيح أهمية الحق في الدفاع، ما أكده الأستاذ / مرقس فهمي من أن:
أن المحامي، حتى إذا تنكب العدل وضل الطريق في مرافعته، فإن هذه الضلالة بذاتها إرشاد للقاضي، وإظهار لطريق العدل وتثبيت لعدالة القاضي، إذ يرى جهودا تبذل لناحية معينة، ثم يرى هذه الجهود عاجزة عن إسناد حجتها وتبرير موقفها، فيكون هذا المظهر بذاته تنبيها إلى عدالة الناحية الثانية عملا بقاعدة ” وبضدها تتميز الأشياء “، فموقف المحامي سواء أخطأ أم أصاب، موقف إرشاد لمن يتبصر ويتعظ.[10]
وبشكل رئيسي فإنه يجب أن يكون مسعى قانون الإجراءات الجنائية الأساسي هو تحقيق ضمانة دفاع المتهمين في كافة مراحل الدعوى بما يشمله هذا الحق من مفردات عديدة، بداية من الحق في الاطلاع على أوراق الدعوى، وحضور التحقيقات، وعدم الفصل بين المتهم ودفاعه، وحق المتهم في تخير من يمثله في الدفاع، وحقه في الطعن على الحكم الصادر بحقه، وأن تنظره محكمة أعلى. إذ أن ومن أهم القيم التي استحدثها الدستور المصري الأخير لسنة 2014 ، أنه قد استحدث الحق في الصمت كحق مطلق للمتهم ، ولا يجوز أن يجبر على غير ذلك، وهذا يعد ضمن ضمانات أخرى تضمنها الدستور المصري، تشكل سياجاً حاميا للحق في الدفاع، يجب على القوانين أن تقف عند حدها، وفي مقدمتها قانون الإجراءات الجنائية.[11]
وأهم ما يمكن رصده في مشروع قانون الإجراءات الجنائية تشكل تعارضاً أو تماساً مع الحق في الدفاع، ما ورد في المواد أرقام: 72 ، 105 ، 528 ، 532 .
لتعلقها بكيفية الاطلاع على أوراق الدعوى، وكيفية حضور المحامي مع المتهم أثناء التحقيق، ورهنه تعليقه أو حديثه بشكل كامل بمشيئة المحقق، وكذلك إباحة انعقاد الجلسات وتقنين أمر انعقادها في السجون، وهو الأمر الذي يؤرق فكرة استقلال القضاء، وتقريب جهات التقاضي بحسبان ذلك من أهم المبادئ التي يقوم عليها التقاضي بشكل كامل. إذ أن مدلول استقلال القضاء هو، عدم وجود أي تأثير أو تدخل مباشر أو غير مباشر بأي وسيلة في عمل السلطة القضائية، بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، كما يعني أيضا منح القضاء سلطة حقيقية تسمح له بأن يحظى بنفس القوة المتاحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وتجعله مختصا على مستوى طبيعة الهيئة القضائية والصلاحيات المخولة؛ مع توفير الشروط اللازمة لممارستها في جو من الحياد والمسئولية، بالإضافة إلى وجود ضمانات خاصة بحماية القضاة من أي تدخل يمكن أن تباشره السلطتان التشريعية والتنفيذية في مواجهة أعمالهم أو ترقيتهم أو عزلهم. وإن وجود المحكمات في أماكن الاحتجاز يحول دون تحقيق ذلك بشكل مستقل وواضح، ويؤثر على الحق في الدفاع كذلك. ولضمان الاستقلال التام للقضاء، وتحصينه في مواجهة الضغوط والمغريات، وضمان نزاهته وفعاليته، لابد من توفير الشروط المادية والمعنوية الضرورية لحسن سير العمل القضائي، وتوفير الضمانات الكافية لتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية في مواجهة كل الجهات التي يُحكم ضدها على قدم المساواة، وإسناد كل ما يتعلق بتسيير الجهاز القضائي، إلى هيئة عليا تتكون من القضاة أنفسهم، ولا تتدخل في شئونها أي سلطة أخرى، ولا أي جهة من خارج القضاء، وتتولى هذه الهيئة البت في الوضعيات الإدارية والمادية للقضاة بجميع مستوياتهم، واتخاذ القرارات المتعلقة بترقياتهم، أو بتغيير أماكن عملهم، أو بتأديبهم عندما يثبت لها ما يدعو إلى ذلك، دون أن يكون لأي سلطة أخرى حق التدخل أو التأثير أو التوجيه في تسيير الجهاز القضائي، ولا فيما يزاوله القضاة من عمل، وما يصدرونه من أحكام. كما أنه وبشكل رئيسي فإنه يجب أن يكون مسعى قانون الإجراءات الجنائية الأساسي هو تحقيق ضمانة دفاع المتهمين في كافة مراحل الدعوى بما يشمله هذا الحق من مفردات عديدة، بداية من الحق في الاطلاع على أوراق الدعوى، وحضور التحقيقات، وعدم الفصل بين المتهم ودفاعه، وحق المتهم في تخير من يمثله في الدفاع، وحقه في الطعن على الحكم الصادر بحقه، وأن تنظره محكمة أعلى
خاتمة
على الرغم من أن ما تتناوله المواقع الإخبارية من تقدم اللجنة التشريعية قدما في مناقشته لمشروع القانون، وعلى الرغم من البيانات التي أصدرتها نقابة المحامين ونقابة الصحفيين، اعتراضا على ذلك المشروع من زاوية أو أخرى، إلا أن هناك سعيا حكوميا نحو تمرير ذلك القانون، والذي لا يحقق اي تقدم واضح في موضوع الإجراءات الجنائية، ويحضرني ما ذكره الدكتور محمود كبيش عبر صفحته على موقع ” فيس بوك ” بتاريخ 26 أغسطس الحالي من أن : القول بسن قانون جديد كقانون الإجراءات الجنائية يفترض أن ثمة تعديلات جذرية تنبثق من فلسفة جديدة تتجه إليها الدولة في هذا المجال، تنعكس على كافة نصوصه… أما إدخال بعض التعديلات المتفرقة، أيا ما كانت، مع إعادة صياغة ذات النصوص، ومن دون تغيير يذكر في فلسفة القانون ذاته، فلا يقال معها أننا بصدد قانون جديد للإجراءات الجنائية، ولا تستلزم إعادة صياغة النصوص وتعديل أرقامها ومواضعها المستقرة في اذهان رجال القانون المعنيين بالتعامل معها.
وإذ أن ذلك المشروع لم يحظ بأي توافق مجتمعي يذكر، على كافة المستويات، فإنني أناشد القائمين عليه واولي الأمر به، واخص بذلك وزارة العدل المصرية بحسبها صاحبة المشروع، أن تعيد النظر في أمر طرحه على هذه الشاكلة، وأن تعهد به إلى المتخصصين في ذلك الأمر، وأن تجري حوارات مجتمعية ونقاشية من المتخصصين، حتى يخرج قانونا صالحا لأن يسود المجتمع لفترات طويلة. وأن تتوقف الحكومة المصرية عن التوجه المعمول به في صناعة التشريعات دونما النظر غلى توافقها مع الاحتياجات المجتمعية.
[1] نصت المادة رقم (121) من الدستور في فقرتها الرابعة على أنه : ” وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور مكملة له”.
[2] د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، الوسيط في النظم السياسية القانون الدستوري ، منشاة المعارف الإسكندرية ،2004، ص 445
[3] يؤخذ رأي مجلس الشيوخ فيما يلي :تنص المادة 249 من الدستور المصري على أنه
مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب.
[4]قضية رقم 7 لسنة 8 قضائية المحكمة الدستورية العليا ،
وقد أكدت المحكمة الدستورية في ذلك الحكم على :
ومن المحقق، فإن عبارة “القوانين المكملة للدستور” وإن كانت جديدة كل الجدة، فريدة في بابها، ولا تعرفها الدساتير المقارنة، إلا أنها تحمل في أعطافها ضوابط تحديد معناها، ذلك أن الدستور من ناحية قد ينص في مادة أو أكثر من مواده على أن موضوعا معينا، يتعين تنظيمه بقانون، أو وفقا للقانون، أو في الحدود التي يبينها القانون. بيد أن صدور قانون في هذا النطاق لا يدل بالضرورة – ومن ناحية أخرى – على أن أحكامه مكملة للدستور، ذلك أن الموضوع الذي أحال الدستور في تنظيمه إلى القانون، قد لا تكون له طبيعة القواعد الدستورية، وليس له من صلة بها، بل يعتبر غريبا عنها وخارجا بطبيعته عن إطارها. ومن ثم لا يكفي لاعتبار تنظيم قانوني معين مكملا للدستور أن يصدر إعمالا لنص في الدستور، بل يتعين – فوق هذا – أن تكون أحكامه مرتبطة بقاعدة كلية مما تتضمنها الوثائق الدستورية عادة كتلك المتعلقة بصون استقلال السلطة القضائية بما يكفل مباشرتها لشئون العدالة دون تدخل من أية جهة. فالقاعدة المتقدمة – وما يجري على منوالها – مما تحرص الدساتير المختلفة على إدراجها في صلبها، باعتبار أن خلوها منها يجردها من كل قيمة، فإذا اتصل بها تنظيم تشريعي قرر الدستور صدوره بقانون، أو وفقا للقانون، أو في الحدود التي يبينها القانون، دل ذلك على أن هذا التنظيم مكمل للدستور. ولا كذلك النصوص التشريعية التي لا تربطها صلة عضوية بتلك القواعد الكلية، كالقانون الذي يصدر إعمالا لنص المادة 14 من الدستور محددا أحوال فصل العاملين بغير الطريق التأديبي، والقانون الصادر في شأن العفو الشامل على ما تقضي به المادة 149 من الدستور أو في شأن تنظيم التعبئة العامة وفقا لنص المادة 181 منه، فالتنظيم التشريعي الصادر في الحدود المتقدمة، ليس مرتبطا بأية قاعدة من القواعد الدستورية بمعنى الكلمة، بل يفتقر هذا التنظيم إلى العنصر الموضوعي الذي يدخل القانون الصادر به في عداد القوانين المكملة للدستور، ولازم ذلك أن شرطين يتعين اجتماعهما معا لاعتبار مشروع قانون معين مكملا للدستور، أولهما: أن يكون الدستور ابتداء قد نص صراحة في مسألة عينها على أن يكون تنظيمها بقانون، أو وفقا لقانون، أو في الحدود التي يبينها القانون، أو طبقا للأوضاع التي يقررها، فإن هو فعل، دل ذلك على أن هذا التنظيم بلغ في تقديره درجة من الأهمية والثقل لا يجوز معها أن يعهد به إلى أداة أدنى. ثانيهما: أن يكون هذا التنظيم متصلا بقاعدة كلية مما جرت الوثائق الدستورية على احتوائها وإدراجها تحت نصوصها وتلك هي القواعد الدستورية بطبيعتها التي لا تخلو منها في الأعم أية وثيقة دستورية، والتي يتعين كي يكون التنظيم التشريعي مكملا لها أن يكون محددا لمضمونها مفصلا لحكمها مبينا لحدودها، بما مؤداه أن الشرط الأول وإن كان لازما كأمر مبدئي يتعين التحقق من توافره قبل الفصل في أي نزاع حول ما إذا كان مشروع القانون المعروض يعد أو لا يعد مكملا للدستور، إلا أنه ليس شرطا كافيا، بل يتعين لاعتبار المشروع كذلك، أن يقوم الشرطان معا متضافرين، استبعادا لكل مشروع قانون لا تربطه أية صلة بالقواعد الدستورية الأصلية، بل يكون غريبا عنها مقحما عليها. ودلالة اجتماع هذين الشرطين أن معيار تحديد القوانين المكملة للدستور، والتي يتعين أن يؤخذ فيها رأي مجلس الشورى قبل تقديمها إلى السلطة التشريعية، لا يجوز أن يكون شكليا صرفا، ولا موضوعيا بحتا، بل قوامه مزاوجة بين ملامح شكلية، وما ينبغي أن يتصل بها من العناصر الموضوعية، على النحو المتقدم بيانه.
[5] مؤسسة الحق لحرية الراي والتعبير وحقوق الانسان ” قانون الإجراءات الجنائية ومقتضيات المحاكمة العادلة” – ورقة موقف.
[6] المادة 189 تنص على أن:
النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، تتولى التحقيق، وتحريك، ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى.
[7] حجية شهادة الشهود في الإثبات الجنائي في القانون الجنائي الليبي والمقارن- هند الضاوي مصباح – كلية القانون – جامعة الزيتونة – ليبيا.
[8] قضية رقم 13 لسنة 12 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
[9] راجع في ذلك نص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
[10] حق الدفاع أمام القضاء الجنائي – د / رؤوف عبيد – ص 18
[11] راجع في ذلك نص الدستور المصري أرقام 54 ، 55 ، 92، 93 ، 94 ، 95 ،96 ، 97 ، 98 ، 99