قانون العزل الوظيفي….. المعاقبة دون محاكمة، وفصل على النوايا

الفصل بغير الطريق التأديبي
وسوم : -

اصدرت وحدة الدعم القانوني بمركز الحق ورقة قانونية  تعليقا على قانون العزل الوظيفي والذي تم اقراره مؤخرا من قبل مجلس النواب المصري ، وقد اشارات الورقة التي اعدها البمحامي والخبير الحقوقي أ/ طارق عبد العال الي ان هذا القانون يرسخ لمبدأ العقاب دون محاكمة و الفضل على النوايا. واشار الي ان القانون قد خالف مبادئ عامة في التشريع فالاصل أنه يجب أن تتجه القواعد القانونية بما تستحدثه من تشريعات إلى حماية الشرائح المجتمعية المختلفة، وحين تنظيم الهيئة التشريعية لقواعد قانونية ذات بعد اجتماعي أو تتماهى مع الاحتياجات الاقتصادية للجماعة، فإنه يجب أن تتجه هذه التشريعات لحماية الطبقة الأقل حماية، أو تسعى بما تنظمه من قواعد قانونية مستحدثة إلى حماية المكتسبات المجتمعية على أقل تقدير إن لم تكن تزيد عليها.

لتحميل الورقة كاملة برجاء الضغط هنا

قانون العزل الوظيفي

لاشك في كون النظم القانونية المحترمة يجب أن تستمد وجودها من منطلق الاحتياج المجتمعي لتنظيم أمر من أموره تشريعياً، إذ إن عملية الضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات والمصالح عبر وجود قواعد وأحكام هو ما أطلق عليه اسم القانون، ويجب ألا تخرج الغاية العليا للتنظيم القانوني أو القواعد القانونية عن تنظيم أوجه النشاطات المجتمعية، وفيك الاشتباك بين أوجه السلوك الإنساني، وبمعنى أكثر نضجا لا يتواجد القانون إلا إذا تواجدت الحاجة المجتمعية إليه، إذ لا حاجة ولا قيمة حقيقية للنصوص القانونية إذا ما خرجت عن احتياجات المجتمع، أو إذا ما تجاوزت في تنظيمها لأمر من الأمور لمعنى الاحتياج المجتمعي، فخرجت بذلك عن مضمون الحماية المقررة بالقانون إلى الميل أو التجاوز عن الهدف الأساسي للقاعدة القانونية.

وفي الأصل يجب أن تتجه القواعد القانونية بما تستحدثه من تشريعات إلى حماية الشرائح المجتمعية المختلفة، وحين تنظيم الهيئة التشريعية لقواعد قانونية ذات بعد اجتماعي أو تتماهى مع الاحتياجات الاقتصادية للجماعة، فإنه يجب أن تتجه هذه التشريعات لحماية الطبقة الأقل حماية، أو تسعى بما تنظمه من قواعد قانونية مستحدثة إلى حماية المكتسبات المجتمعية على أقل تقدير إن لم تكن تزيد عليها.

وفي هذا الإطار قد وافق مجلس النواب المصري منذ أيام على تعديلات جديدة لقانون الخدمة المدنية، تتيح بموجبها للسلطات فصل الموظفين المنتمين لتنظيمات ارهابية وعلى رأسهم المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين ، وذلك برغم ما تؤكده المادة 14 من الدستور المصري الأخير من قولها أنه ” الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف القائمين بها لخدمة الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون. وللعلم لم تكن هذه المرة الأولى التي يقر فيها ذلك المبدأ المخالف للكافة القواعد الحقوقية والدستورية ذات الصلة، فقد سبق وأن صدر القانون رقم 10 لسنة 1972 ، على أساس إخلاله بالإنتاج أو  المساس بأمن الدولة، أو فقد الثقة والاعتبار ، أو عدم الصلاحية لشغل الوظيفة. ولم تخرج نصوص القانون الجديد عن مضمون تلك النصوص القديمة أو عن ذات الأطر.

وتكمن مشكلتنا التشريعية الأولى في الإحالة التي فعلها الدستور للقوانين في تنظيم الأمور بحسب قوله ”  في الأحوال التي يحددها القانون “، لكن القواعد الدستورية تؤكد أنه حتى في حالات تلك الإحالات يجب أن تكون هنالك حدودها فلا يجب أن يتخطاها القانون حال تنظيمه لأمر من الأمور التي تتعلق بالحقوق والحريات، ولا يخفى على أحد أهمية الحق في العمل، والذي يمثل حسب أبسط التعريفات الحقوقية بأنه ” لإعمال حقوق الإنسان والتمتع بحياة كريمة. يشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لكل فرد لكسب رزقه عن طريق أداء عمل يختاره أو يرتضيه بحرية. إن الدولة ملزمة لدى الإعمال التدريجي لهذا الحق بضمان تقديم الارشاد والتوجيه في مجال التعليم المهني والفني، فضلا عن اتخاذ التدابير الملائمة لتهيئة بيئة ملائمة تُعزز فرص العمالة المنتجة. ويتعين على الدول أيضًا أن تكفل عدم ممارسة التمييز فيما يتعلق بجوانب العمل كافة”.

والحق في العمل لا يقف فقط عند كونه حق فردي للعامل، بل بالطبيعة البشرية فإنه يمتد أثره على محيط العامل الأسري، الذين يشملهم العامل برعايته نتيجة دخله من ذلك العمل، كما أن ذلك الحق يرتبط بالمزيد من الحقوق ذات المنحى الاقتصادي، منها الحق في السكن والغذاء، والصحة، والتعليم، وما يرتبط بكل تلك الحقوق الإنسانية من منافع ترتد للمجتمع وللعامل وبيئته. فهل ناقش مصدرو هذا المشروع لمدى الضرر الذي سوف يحدثه هذا التشريع حال تطبيقه، فلن يعود الضرر على شخص الموظف المفصول فقط، بل يمتد أثره إلى باقي أسرته التي يعولها، بالبلدي ( قطع ارزاق ) ، وهذا لا يكون بأي حال من الأحوال هدفا من أهداف استصدار القوانين أو دافعا إلى استحداث تعديلات على قوانين قائمة.

وقد قدم لهذا المشروع أمين سر اللجنة التشريعية لمجلس النواب، النائب / علي بدر بقوله ” بحسب ما نشره موقع سكاي نيوز بتاريخ 28 / 6 /2021 ، أن هناك حاجة ماسة لإصدار مثل هذا التعديل التشريعي، إذ أن هناك عددا من الموظفين ينتمون إلى فصيل الإخوان ويستغلون مناصبهم داخل الجهاز الإداري للدولة بالسعي لتخريب البلاد، وتنفيذ مخططات إخوانية، وعلى حسب قوله فإن هذا المشروع قد جاء متوافقا مع اللائحة الداخلية لمجلس النواب، ومع نصوص الدستور.

وأهم ما جاء بهذا القانون هو ما ورد في المادة (1) المستبدلة بالفقرة الأولى حصر الجهات التي يجوز فصل الموظفين أو العاملين بها بغير الطريق التأديبي على نحو يشمل وحدات الجهاز الإداري للدولة، ووحدات الإدارة المحلية، والجهات المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وأشخاص القانون العام، وشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، والعاملين الذين تنظم شؤون توظيفهم قوانين أو لوائح خاصة، ودون المساس بما قد يكون مقرراً لبعض الفئات من ضمانات دستورية في مواجهة العزل. كما تم استحداث بند جديد بالمادة (1) برقم (هـ) جاء بحكم جديد يُضاف إلى أحوال فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي وهي حالة إدراج الموظف أو العامل على قوائم الإرهابيين وفقاً للقانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين وذلك اتساقاً مع المنطق القانوني السليم. ثم أجازت المادة (2) المستبدلة في فقرتها الأولى لرئيس الجمهورية أن يفوض السلطة الأدنى مباشرة ممثلة في رئيس مجلس الوزراء في إصدار قرار الفصل وذلك تخفيفاً للعبء الإداري في ضوء اتساع رقعة الجهات المخاطبة بالقانون.

وإذا ما توافقنا نظريا على وجود عناصر تنتمي للإخوان المسلمين في داخل الكيان الإداري للدولة، فهل في هذا الانتماء الفكري النظري أي نوع من الجرم يقتضي معه ما جاء بهذا التشريع، مالم يصحب انتمائه أي فعل من شأنه المساس بالهيئة الاجتماعية أو يتعارض مع مصلحة المجتمع أو يضر بمصلحة الوظيفة أو المستهدف من وجود كيان الهيئة التي يعمل بها أو المصلحة التي ينتمي إليها، إن محاكم التفتيش والبحث في ضمائر المواطنين ليس وسيلة قانونية للعقاب، وأن التجريم على النوايا لا يكون أبدا  من المبادئ التي يقوم عليها التشريع المنضبط، والذي تطور في مبادئه التشريعية، و بشكل خاص منها ما يتعلق بنطاق التجريم والعقاب، ونجد لذلك أصلاً في قضاء المحكمة الدستورية العليا من قولها أنه ” وحيث إنه إذا كان الهدف من التجريم قديما هو مجرد مجازاة الجاني عن الجريمة التي اقترفها، فقد تطور هذا الهدف في التشريع الحديث ليصبح منع الجريمة سواء كان المنع ابتداء أو ردع الغير عن ارتكاب مثلها، فالاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية في مختلف الدول تتجه – كما تشير المؤتمرات المتعاقبة للأمم المتحدة بشأن منع الجريمة ومعاملة المجرمين – إلى أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوع الجريمة وسن النصوص التي تكفل وقاية المجتمع منها وتجريم الاشتراك في الجمعيات الإجرامية وتنمية التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة، إلا أن شرعية النصوص التي تتخذ كوسيلة لتحقيق هذه الأهداف مناطها توافقها وأحكام الدستور واتفاقها ومبادئه ومقتضاه، ومن ثم يتعين على المشرع – في هذا المقام – إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى.“.

وأرى أن إصدار مثل هذه التشريعات يكرس من معنى التضييق الفكري من السلطات على كل أصحاب الرأي، مالم تصاحبه جريمة تضر بالمجتمع، وأنه يعود بنا إلى عصر محاكم التفتيش، ويتعارض بشكل أساسي مع قيم دستورية عليان وبشكل خاص منها ما تنص على حماية حريات الرأي والفكر والتعبير وتداول المعلومات، كما أن أي تنظيم تشريعي يجب أن يتعامل مع أفعال مادية ومظاهر وسلوك يكون من شأنه أن يحدث أذى أو ضرر للمجتمع، لكن أن تأتي النصوص أو التعديلات التشريعية بهذا المستوى، فإن ذلك من وجهة نظر القانون كمفترض أولي له قواعد وأصول يجب التماشي معها واحترامها ورعايتها حين سن تشريعات جديدة أو تعديلات على قوانين قائمة، تقتضيها في الأساس الاحتياج المجتمعي لتلك التشريعات، وأنها تسعى لضمان حماية مجتمعية، أو لتقويض ضرر يحل بالجماعة. وكل ذلك ما يتناقض مع ما جاء بهذا المشروع.

أما إن كان الهدف كما يشيع البعض هو مسايرة ما تفرضه أجندة صندوق النقد الدولي على الحكومة من عمل إصلاحات على الكيان الحكومي، وذلك وفق سياسة القروض التي انتهجتها الدولة من خلال صندوق النقد الدولي، فإن تلك طامة كبرى لن تعود بخير على مصالح الناس، وبالتالي لن تعود بخير على الدولة ذاتها، إذ المفترض أن مصلحة الجماعة هي المصلحة العليا للدولة.

ومن ثم ومن  الناحية حقوقية أرى أن هذا المشروع يتصادم مع الاتفاقيات الدولية المعنية والمنظمة لحقوق الإنسان والتي قد انضمت إليها مصر، وصارت وفقا للدستور مساوية للقوانين الداخلية، والتي أهمها في هذا البيان العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وما جاء به من نصوص تضمن الحق في العمل، وأن الدولة تسعى للقضاء على البطالة وليس زيادتها، كما أن الدولة تكفل مجموعة الحقوق ذات المنحى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي من صحة وسكن وغذاء وتعليم وغيرها، وأن تطبيق ما جاء به هذا المقترح التشريعي يقوض كل تلك الحقوق قاطبة، وهو الأمر الذي لا تكون معه هناك أي معنى لحياة كريمة للمواطن وأسرته.

كما أنه من الناحية الفقهية الدستورية في إصدار التشريعات أنها يجب أن تتوافق مع النطاق الدستوري المحدد لمنطقة الحق محل التشريع، ويجب ألا تتجاوز هذا النطاق سواء بالانتقاص أو الحد منه، فهل اعتنى النواب بمثل تلك المعايير، على الرغم من كون مجلس النواب يتصدره أحد المستشارين الذين قضوا جل حياتهم في المحكمة الدستورية العليا، ومن ثم فهو أجدر من أي منهم بمعرفة تلك الحقوق والواجبات، وبحسب تصريح له منشور على موقع البي بي سي بتاريخ 12 يوليو  أن  القانون هو أداة إبعاد الموظف أو العامل الذي يمثل خطورة على بيئة العمل، من دون المساس بضمانات اللجوء للقضاء، وحقه في المعاش ومكافأة نهاية الخدمة، أرى أن مجلس النواب يتعامل بمنطق سبق السيف العزل، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، وهذه ليست حلول تتناسب مع الظروف الاقتصادية التي يمر بها افراد الشعب المصري جراء السياسات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة، وزيادة معدلات الفقر والعوز بين فئات الشعب.

ولكن أهم ما تبقى لنا من آمال هو أن نعقدها على العرض على رئيس الدولة وفق الأسس الدستورية التي توجب عرض التشريع على رئيس الدولة الذي من حقه أن يقوم برده مرة ثانية لمجلس النواب.