تعديل قانون المحكمة الدستورية بين الإطار الدولي وتعديل مسار الرقابة الدستورية

المحكمة الدستورية العليا
وسوم : - - - -

الورقة من أعداد الاستاذ / طارق عبد العال المحام

لتحميل الورقة كاملة برجاء الضغط هنا

في خطوات متسارعة ومتلاحقة ينظر مجلس النواب المصري من خلال لجنته التشريعية مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة لتعديل أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا، وينص مشروع هذا القانون على أن يضاف إلى قانون المحكمة الدستورية العليا مادتين تحملا رقمي 27 مكرر و 33 مكرر، ويسري النص المطروح في مادته رقم 27 مكررا، على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية و أحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة.

كما تنص المادة 33 مكررا على أنه لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إلها في المادة 27 مكررا، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها، ويختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به وترجمة معتمدة له، ويجب أن يبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعى بمخالفته ووجه المخالفة، وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة.

وقد قالت الحكومة صاحبة مشروع القانون في مذكرتها التوضيحية له  ” وإزاء خلو الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة ۱۹۷۹ من نص يتيح للمحكمة النظر في أي من القرارات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري فقد رؤى إضافة نصوص للقانون المذكور تسند للمحكمة الدستورية العليا الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية  وتتيح لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها على أن يختصم في الطلب کل ذی شان ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به ، وترجمة معتمدة له ، ويبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته ووجه المخالفة ، وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة نظرا للأهمية البالغة لمثل هذه الطلبات . ويهدف هذا التعديل إلى إتاحة المجال أمام الدولة للتعامل الإيجابي وفقا للمصالح الوطنية وفي إطار من الدستور والقانون مع أي من القرارات الدولية التي تؤثر على أمنها القومي”.

ومن حيث الأصل فإن اختصاص المحكمة الدستورية العليا تحدده المادة 192 من الدستور المصري، والتي تنص على أن ”  تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، والفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وفى تنازع الاختصاص بين جهات القضاء، والهيئات ذات الاختصاص القضائي، والفصل في النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء، أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والآخر من جهة أخرى منها، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها. ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة، وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها”.

وبحسب نص الدستور، وبحسب قانون المحكمة الدستورية رقم 48 لسنة 1979 بتعديلاته، فإن اختصاصات المحكمة الدستورية تنحصر في :-

– الرقابة القضائية على دستورية اللوائح والقوانين.

– ويقصد به الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة القضائية المختصة من بين الجهات القضائية أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين قضائيتين ولم تتخل إحداهما عن نظر الدعوى أو تخلتا الاثنتين عنها.

الفصل في التنازع بشأن تنفيذ حكمين متناقضين.

– وهو ما يعني الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، والثاني صادر من جهة او هيئة أخرى.

– تفسير النصوص القانونية الصادرة عن السطلة التشريعية

تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من السلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية.

سوابق تاريخية لتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا.

القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998م

لم يكن من الناحية التاريخية هذا المشروع هو السابقة الأولى للافتئات على التاريخ القضائي للمحكمة الدستورية العليا، حيث سبق ذلك تاريخيا، ما أصدره رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998م، متضمنًا إدخال تعديلات على الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية بصورة تضمن ألا يترتب على الحكم بعدم الدستورية أي نص ضريبي أن يكون له اثر رجعي، تتحمل بموجبه الدولة عبء سداد الضرائب التي اقتطعتها من المواطنين دون وجه حق ودون سند دستوري.

القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998م

وفي عام 1998 تم معاودة التدخل التشرعي عبر قرارات بقانون لتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا فصدر  القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998م و الذي نص على أن يستبدل بنص الفقرة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا النص التالي، “ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخًا آخر أسبق على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص.”

وقد ساقت المحكمة في تبريرها لإدخال هذا التعديل وبصورة استثنائية من خلال قرار بقانون، أن هناك عددًا من الدعاوى المنظورة أمام المحكمة بشأن دستورية بعض التشريعات الضريبية؛ وعلى الأخص ضريبة المبيعات، وأن الدولة سوف تتحمل إذا ما لم تقدم على هذا التعديل سداد مبالغ طائلة قُدرت بأكثر من سبعة مليارات جنيه نظير الضرائب التي تمَّ تحصيلها دون وجه حق منذ اعتماد القانون الخاص بفرض ضريبة المبيعات.

ومؤدى هذا التعديل بالتالي أو مقولة الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا قد اختلف أمرها بالنسبة للأحكام المتعلقة بالنصوص الضريبية؛ حيث يتمتع حكم المحكمة الدستورية في هذه الحالة بحجية مطلقة في المستقبل، تشمل كافة المخاطبين بأحكام القانون غير الدستوري، وبحجية نسبية تقتصر على رافع الدعوى فقط بالنسبة للفترة السابقة على نشر الحكم، والتي تبدأ من تاريخ العمل بالقانون غير الدستوري، ومن ثم يصبح مفاد هذه التعديلات من المفارقات التي يجعل من النص القانوني المقضي بعدم دستوريته دستوريًّا في الفترة السابقة على نشر الحكم بالنسبة للكافة، وغير دستوري في المستقبل أيضًا بالنسبة لرافع دعوى الطعن بعدم الدستورية.

القانون رقم 78 لسنة 2019

ولم يقف الأمر عند حدود هذا التعديل المذكور، بل امتد لتعديلات أخرى كان أخرها القانون رقم 78 لسنة 2019 ، والمتعلق بكيفية اختيار رئيس المحكمة ونواب الرئيس، وذلك بتعديل المادة الخامسة من قانون المحكمة الدستورية العليا بقوله ” يختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية العليا من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.

ويعين رئيس الجمهورية نائب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الآخر رئيس المحكمة.

ويجب أن يكون ثلثا نواب رئيس المحكمة على الأقل من بين أعضاء الهيئات القضائية, على أن تكون الأولوية في التعيين لأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة. ويحدد قرار التعيين أقدمية نائب رئيس المحكمة.

و من خلال مراجعتنا السريعة لمدى التعديلات الكثيرة التي طالت قانون المحكمة الدسورية اغلبها ان لم يكن كلها قد جاء بلا سبب جلل او ذو أهمية تستدعي التدخل في منظومة المحكمة العليا، سواء كانت تلك التعديلات المتعلقة بكيفية ممارستها لمهام عملها، أو كانت متعلقة بكيفية التعيين أو اختيار رئيسها، سوى أنها تحد أو تحجم من نشاط المحكمة، وذلك النشاط الذي بلغ حده أو قمته العليا فيما أرسه رئيسها السابق المرحوم / عوض المر، والذي سطر لها تاريخاً مضاهياً لأعظم المحاكم الدستورية على مستوى العالم، في مختلف المجالات والحقوق، ويكفي أن نسوق مثلا لذلك، الحكم الذي جاء فيه

إن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها، وتتقيد هي بها، إنما يتحدد في ضوء مستوياتها التي التزمتها الدول الديمقراطية باطراد في مجتمعاتها، واستقر العمل على انتهاجها وبالتالي لا يجوز للدولة القانونية أن تنزل بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديمقراطية ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيوداً تكون في جوهرها أو مداها مجافية لتلك التي درج العمل في النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محدداً في ضوء مفهوم ديمقراطي مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة[1] “.

التعليق على مشروع القانون .

أما إذا ما عاودنا الحديث عن التعديلات المطروحة، فإنها لا تصب في خانة تحديث أداء المحكمة ، أو تطوير عملها، إذ أنه من حيث الأصل لابد وأن نلفت النظر إلى أهمية دور المحكمة الدستورية العليا في الحياة القانونية والقضائية، وذلك في بسط رقابتها على التحقق من مدى دستورية ما يعرض عليها من قوانين ولوائح، تعتبر الرقابة على دستورية القوانين ركنًا أساسيًّا في الدولة القانونية والديمقراطية الحديثة، وعدم وجودها يعني أن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية يمكنها مخالفة الدستور دون أن يكون هناك من يردهما عن ذلك، ونكون أمام نظام قانوني غير دستوري أو غير صحيح،

وتمتلك المحكمة الدستورية العليا في مصر تاريخًا مشرفًا في دعم التغيير المطرد، الذي تجسد في عدد من الأحكام التاريخية لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن الضروري وضع المحكمة الدستورية العليا في سياقها التاريخي لفهم دورها في إصلاح النظام القضائي المصري، وفى وضع سوابق قانونية تعزز الديمقراطية وحقوق الإنسان. وذلك لكون تلك التعديلات الأخيرة المطروحة حاليا لا تمنح المحكمة الدستورية العليا اختصاصات جديدة ذات فاعلية متعلقة بمنهجية الرقابة الدستورية سواء من حيث طرق الرقابة، أو كيفية تفعليها، أو نفاذها، إلا أن ذلك التعديل من شأنه أن يُخرج المحكمة الدستورية عن دورها المحدد دستوريا والذي بموجبه تباشر المحكمة وظيفتها الأساسية في بسط رقابتها على مدى دستورية القوانين واللوائح، وذلك يتضح من كون الهدف الرئيسي من هذه التعديلات المقدمة من الحكومة مقتضاها أن تفرض المحكمة رقابتها على قرارات المنظمات والهيئات الدولية وهيئات التحكيم الأجنبية، ويبين ذلك جيداً إذا ما أمعنا النظر في القرارات التي تصدرها المنظمات الدولية، وهذه المنظمات بشكل أكثر دقة قد أنشئت وفق قواعد القانون الدولي، وتلتزم بتلك القرارات التي تصدر عنها الدول باعتبارها أفراداً في المجتمع الدولي،

ومن حيث أصل هذه المنظمات فقد انضمت إليها الدولة بمحض إرادتها ، ووفق إجراءات دولية أولاً ثم إجراءات داخلية ثانياً تكمن في عرضها على البرلمان المختص حتي تصبح ذات صبغة إلزامية للكافة داخلياً أو على الكافة، فهل يقبل المجتمع الدولي كرة نقض هذه الالتزامات الدولية بمقتضى حكم محكمة داخلية أيا ما كانت درجتها.

كما أن هذا المشروع الحكومي يجعل هناك تناقضا في الوضع العام للدولة بين حالتها كفرد من أفراد المجتمع الدولي، بما له من حقوق وما عليه من التزامات وواجبات، أهمها احترامه لما يصدر من قرارات من الهيئات التي هي أحد أفرادها، وما يترتب على ذلك من التزامات دولية، لا يجب أن تندرج تحت أي رقابة داخلية أو محلية، إذ من شأن ذلك أن يجعل هناك تعارضاً مع ما تم من إجراءات تمر بها تلك القرارات ذات الصبغة الدولية، بداية من توقيع الرئيس، والعرض على البرلمان، حتى تصبح ذات قوة ونفاذ، وهو الأمر الذي جاء النص عليه في الدستور المصري الأخير، وذلك في المادة  93  “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة. الباب الرابع سيادة القانون “.

فهل تتناسب تلك التعديلات المطروحة مع ذلك النص الدستوري، الذي يضع التزاما على عاتق الدولة؟

فهل من المقبول أن تصل الرقابة الدستورية على القرارات ذات الصبغة الدولية أو أحكام المحاكم والهيئات الأجنبية، والمفترض أن يكون تنفيذها في مواجهة الدولة، فكيف يتسق ذلك مع إجازة التعديل لرئيس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية الحكم بعدم الاعتداد بتلك الأحكام أو القرارات، وكيف يتسق ذلك مع كون الدولة ذاتها هي التي انضمت أو صادقت أو وقعت على تلك الاتفاقية أو تلك المعاهدة، الأمر به تناقض غريب لا يستقيم مع العلة من وجود القاعدة القانونية، بل إنه يضع مستقبل الرقابة الدستورية على محاف الخطر.

وأعتقد أنه لم يتبقى لدينا سوى أن نتوجه بالقول إلى السادة بالسادة أعضاء مجلس النواب، والذين سيتم عرض مشروع القانون عليهم في الجلسة العامة لمجلس النواب، مراعاة كافة الاعتبارات القانونية والأبعاد السياسية والدولية لمثل هذا المشروع بما يمثله من لغط قانوني وسياسي يزيد من الأعباء المقررة على عاتق المحكمة الدستورية العليا، ويضيف لها ما يخرج عن نطاق اختصاصاها الحقيقي، ويخرجها عن حدود وظيفتها الأصلية، بل الأمر يزيد عن ذلك حيث أنه يضع الدولة بكافة مؤسساتها في موقف لا تحسد عليه في المجتمع الدولي، بحسبها أحد أفراد المجتمع الدولي، كما أن التزاماتها الدولية تقتضي احترامها لعضويتها في الهيئات الدولية، وما يصدر عنها من قرارات ، هذا بالإضافة إلى كون تفعيل هذا التعديل بما يتضمنه من صلاحيات لن يكون مقبولاً من أفراد المجتمع الدولي

[1]  الحكم رقم 37 لسنة 9 ق د