الرقابة البرلمانية بين الواقع والقانون

وسوم : - -

اعداد 

 طارق عبد العال

لتحميل الورقة بالكامل برجاء اضغط هنا

أكد الفقيه الإنجليزي العظيم جون ستيورات ميل في مؤلفه الشهير ” تأملات في الحكومة النيابية ” الصادر سنة 1861، على أن الإشراف والمراقبة هي الميزة الأساسية للهيئة النيابية، حيث قال : أن المهمة الحقيقية لأي مجلس نيابي هي أن يراقب الحكومة ويعمل على ضبطها وتوجيهها، وأن يسلط الضوء على أعمالها وتصرفاتها ليطلع الجمهور عليها، وأن يضطرها إلى تقديم تفسير كامل عن أعمال وتصرفات أعضائها المشكوك فيها، ومبررات قيامهم بها، وينبغي على المجلس النيابي عند قيام أضاء الحكومة باستغلال الثقة الممنوحة لهم، أو عند قيامهم عمداً بأداء الأعمال الماضغط هنا وكلة إليهم بطريقة تتعارض ومصالح الأمة، فله أن يقوم بلومهم أو توبيخهم أو عزلهم من مناصبهم وتعيين آخرين بدلاً منهم[1]“.

انفض البرلمان المصري في دورته السابقة منعقدا بمدته كاملة دون أي تفعيل  حقيقي أو فعال لأدواته الرقابية، وللتاريخ فقد كان أول استجواب في الحياة النيابية في مصر ٢٩ أبريل ١٩٢٤، وقدمه اللواء موسى فؤاد باشا، لسؤال وزير المالية عن أمور تتعلق بإنفاق الحكومة المصرية في السودان، وتمت مناقشته في الجلسة الـ١٦ لمجلس الشيوخ، والتي انعقدت علنًا يوم الإثنين ١٢ مايو ١٩٢٤.ولكن منذ  انطلاق أعمال مجلس النواب ، وعلى مدار أربعة فصول تشريعية، لم يتم تفعيل أهم أدوات الرقابة البرلمانية، وذلك على الرغم من أهمية هذه الأداة الرقابية في مواجهة أي شطط من السلطة التنفيذية، وعلى الرغم من الأهمية والأولوية التي نصت عليها لائحة مجلس النواب إلا إن آليات الرقابة البرلمانية مازالت معطلة داخل أروقة مجلس النواب المصري.

حتى بعد أن انعقد مجلس النواب المصري في نسخته الجديدة محققا سيادة كاملة لأغلبية نواب حزب ” مستقبل وطن “، إذ أنه في حدود الدور الأول لانعقاده الذي لم ينتهي بعد دونما أي تفعيل لأهم الأدوات الرقابية، فهل هذا ما يعبر عن حقيقة علاقة مجلس النواب بالسلطة التنفيذية، وهو ما أكده رئيس مجلس النواب المنقضية ولايته في معرض حديثه حين فض الدور التشريعي الرابع حين قال واصفا لعلاقة المجلس بالحكومة نصا ” إن رقابتنا للحكومة تنبع من تقديرنا للعبء الهائل الذي يقع على كاهل أجهزتنا التنفيذية للأسباب التي نعرفها جميعاً فكنتم عند قدر المسؤولية عند استخدامكم أدوات الرقابة بالحكمة والعقل بما يتناسب مع ظروف البلاد والقدر اللازم لكشف الجوانب السلبية بغية التصويب والتصحيح والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها، لا بغية الاستعراض والسطوة، وبلغ عدد طلبات الإحاطة التي ناقشها المجلس وناقشتها اللجان النوعية في هذا الدور نحو 1700 طلب إحاطة. إن التعاون مع الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى كمال مدبولي قام على أساس التكامل والتفاهم للوصول للأفضل وبلوغ أنسب الحلول للعديد من المشكلات التي تعاني منها الجماهير[2].

قواعد معرفية  :-

اتفقت القواعد الدستورية على مستوى دول العالم على أن تكون هناك رقابة من البرلمان أوالمجالس التشريعية على اختلاف مسمياتها في كل دولة على أعمال الحكومات، وذلك بحسب كون السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة، والتي من المفترض أن تقوم بكافة أعمالها وفق صحيح القانون، وأن تبتغي الصالح العام في ذلك العمل، ولعدم شطط الحكومات بهذه السلطة الواسعة فقد كانت الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومات، إذ تعد الرقابة البرلمانية حجراً الزاوية في البرلمانات الديمقراطية، إذ تشكل مؤشراً على الحكم الجيد، وهي تهدف إلى مساءلة السلطة التنفيذية حول أعمالها، وإلى ضمان تنفيذ السياسات بطريقة فعّالة. فالرقابة البرلمانية الدقيقة للسلطة التنفيذية مؤشر على سلامة الحكم.

وإلى جانب وظيفته التشريعية، يتمكّن البرلمان من تحقيق توازن القوى وتعزيز دوره كمدافع عن المصلحة العامة. ففي الأنظمة الديمقراطية القديمة والحديثة يتمتع البرلمان بالسلطة التي تخوّله الإشراف على الحكومة من خلال عدد من الأدوات والآليات غالباً ما يتم تحديدها من خلال الدستور ونصوص تنظيمية كالأنظمة الداخلية للبرلمان. وتقوم الطريقة التي يمكن للبرلمان من خلالها استخدام صلاحياته الرقابية على وجود إطار قانوني يعزز موقفه كمؤسسة رقابية ويضمن له سلطته واستقلاليته في إطار النظام السياسي. 

وتمتلك البرلمانات في معظم النظم السياسية على مستوى العالم مجموعة من الأدوات الرقابية التي تمنحها لها الدساتير، والتي تمكّنها من إتمام عملية المراقبة. وتتضمن أكثر هذه الأدوات شيوعاً  :- الأسئلة الموجهة إلى الوزراء (مكتوبة أو شفهية)، الاستجواب، والتصويت على حجب الثقة، فيما تتضمن الآليات الأخرى منهجيات مرتبطة بمراقبة الموازنة والمحاكمة وإمكانية البرلمان إنشاء لجان مخصصة، ولجان التحقيقات، أو مكتب أمين المظالم. وفيما يلي تلخيص للعديد من هذه الأدوات:-

  1. السؤال
  2. الاستجواب
  3. التحقيق البرلماني
  4. المسؤولية السياسية

 1. السؤال: –

يراد بالسؤال استيضاح أمر من أمور الدولة يتمكن من خلاله أحد أعضاء البرلمان أن يطلب من الوزارة ككل او من احد الوزراء توضيحاً بشأن موضوع معين مرتبط بعمل الوزارة، ويمثل السؤال البرلماني ِإحدى الوسائل المميزة لإقامة حوار وتجاذب بين البرلمان ممثلا  في أحد أعضائه  وبين أحد أعضاء الحكومة ، أو ممثلاً لإحدى وزاراتها ، ويكل أبسط سبل الرقابة النيابية لسهولة استعماله وعدم تطلبه توافر خبرة ومهارة معينة لدى العضو السائل؛ ولكونه ِإحدى الأدوات التي يمكن منها الاستيضاح عن برامج الحكومة المعاصرة والمستقبلية، وتوفير معلومات عن أماكن الخلل والقصور في العمل الحكومي، إضافة إلى ما أثبتته التجارب البرلمانية من كون السؤال يمثل فرصة جيدة  لأعضاء المجلس النيابي الذين ليعبروا عن تواجدهم أمام ناخبيهم.

ويعد السؤال البرلماني هو الوسيلة الأكثر شيوعاً وانتشاراً لمباشرة العمل الرقابي أو الوظيفة الرقابية على أعمال الحكومة، وذلك لإمكانية أن يقوم به أي عضو من أعضاء البرلمان، حيث أن السؤال حق مقرر لكلهم او لأي منهم.

  1. 2. الاستجواب

يعد الاستجواب أحد الوسائل الأساسية في الرقابة البرلمانية، كما أن الاستجواب البرلماني يعد من أهم وأخطر أدوات الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية ومن ثم تنظمه الدساتير المقارنة بنصوص صريحة وتحيل أمر تنظيم شروطه وإجراءاته للنظم واللوائح البرلمانية، والاستجواب يقصد به محاسبة الوزير عن خطأ ارتكبه عند تطبيق قانون، أو عن خطأ ارتكبه أثناء تأدية عمله فإما أن يرجع الوزير عن خطئه أو تسحب منه الثقة، وليس المقصود بالاستجواب التقدم للحكومة أو للوزير برجاء أو استعطاف. و  يعد الاستجواب أخطر أداة يضعها الدستور في يد أعضاء المجلس النيابي للرقابة على تصرفات الحكومة. لذلك اهتمت الدساتير واللوائح البرلمانية كما انشغل فقهاء القانون الدستوري ببيان أهدافه ومقاصده، وقد تعددت الأهداف والمقاصد على النحو التالي:-

  1. استهداف تحقيق المصالح العامة :-

بمعنى أن الاستجواب يجب أن يكون متعلقا بموضوع عام وغير مبنى على مصلحة شخصية، فإذا تعلق الموضوع بمصلحة شخصية وجب إخطار البرلمان قبل الاشتراك في المناقشة، ولكن أعضاء المجلس النيابي كثيرا ما يحاولون الخلط بين المصلحة العامة، والمصلحة الخاصة وذلك بهدف تحقيق بعض المصالح لأبناء دوائرهم الانتخابية أو تقديم خدمات لهم عن طريق الاستجواب، كما دأب البعض الآخر من الأعضاء على مساومة بعض الوزراء أو التفاوض معهم على تحقيق مصالح خاصة بهم.

  1. محاسبة الحكومة :-

إذ أن الغرض من الاستجواب  ليس محصورا في مجرد الوقوف على الحقيقة في أي أمر أو شأن من الأمور المخولة للحكومة القيام بها ، بل يمتد إلى  مساءلتها عن كيفية تصرفها فيما عهد إليها من سلطة سواء في المسائل الخاصة أو المسائل العامة” وذلك مرجعه، كما يقول البعض، أن هناك أوضاعا سيئة في العمل الحكومي أو في الأوضاع العامة تستوجب المساءلة أو اللجوء للاستجواب.

  • توضيح السياسات الحكومية للرأي العام :-

حيث يسهم الاستجواب بما يتيحه من فرصة أمام مقدمه لعرض البيانات والأدلة المؤيدة
لوجهة نظره، وما يتيحه كذلك للأعضاء من حق الاشتراك في المناقشة والاستماع إلى رد الحكومة ودفاعها في توضيح سياسة الحكومة، وفى هذا الصدد ذهب استاذنا المرحوم الدكتور “طعيمة الجرف” إلى أن الاستجواب هو حق يسمح للعضو أن يطلب من الوزير بيانات عن السياسة العامة للدولة أو أي نقطة فيها، ومن ثم فإن الاستجواب يستخدم كوسيلة لجمع المعلومات عن الإدارة وإعلام الرأي العام عنها.

  1. تحريك المسئولية السياسية :-

يقصد بالمسئولية السياسية حق البرلمان في سحب الثقة من الوزارة كلها أو من أحد أعضائها. ويعد طرح موضوع الثقة هذا من أهم أهداف الاستجواب فهو الوسيلة البرلمانية لإثارة هذا الموضوع، فالاستجواب باعتباره طريقا من طرق الرقابة البرلمانية لا يهدف كما يقرر البعض إلى مجرد نقد الحكومة أو تجريح سياستها، إنما هو كشف مخالفة من المخالفات السياسية أمام المجلس التشريعي، وإزاء هذه المخالفة يجب ألا يتوانى المجلس في سحب الثقة من الحكومة أو من الوزير المختص، وبمعنى أشمل يستهدف الاستجواب تحريك المسئولية الوزارية، وقد تتحقق هذه المسئولية الوزارية إذا وعدت الحكومة أو الوزير بالإصلاح اللازم، إذ يجب أن تكون الرقابة الموضوعية هي نصب عين العضو وليس التجريح.

3 – التحقيق البرلماني :-

يُعرف التحقيق البرلماني على أنه طريقة من طرق التحري التي تنظمها السلطة التشريعية من أجل الرقابة على أعمال الحكومة، أو أنه أحد الوسائل الرقابية التي يباشرها البرلمان من خلال تشكيل لجان مخصصة لهذا الغرض، أو عن طريق تكليف أحد لجان البرلمان النوعية للوقوف على حقيقة قضية مثارة بشأن نشاط أو عمل من أعمال الحكومة، أو لتقصي الحقائق عن الأحوال المالية أو الإدارية أو الاقتصادية العامة. ويهدف البرلمان إلى المحاسبة السياسية التي تلاحق المسؤول من الناحية السياسية، وربما ينتهي التحقيق البرلماني إلى اقتناع أعضاء البرلمان بمسؤولية الوزير أو المسؤول، وقد لا تنتهي إلى ذلك ويتم الاكتفاء ببعض التوصيات[3].

ويعد التحقيق البرلماني حق يتوصل من خلاله البرلمان إلى معرفة ما يريده من الحقائق، فإذا أثير موضوع في اختصاص السلطة التشريعية، وأرادت أن تفصل فيهن فإنها  امامها  طريقتين. إما أن تقتنع بما تقدمه الحكومة من بيانات ومعلومات  من خلال أجهزتها المختلفة، أو أن تحاول أن تصل إلى الحقيقة بنفسها وذلك إذا ما راودها شك فيما تقدمه الحكومة من معلومات، ولا يوجد قيد على مجالات التحقيق البرلماني، إذ أنه قد يستهدف هيئة بعينها أو إدارة محددة أو مجموعة من الهيئات أو وزارة بأكملها.

4 – المسؤولية السياسية :-

مبدأ المسؤولية السياسية أحد الضوابط الهامة التي تحدد طبيعة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في اتجاه خلق التوازن. وقد ظهر هدا المبدأ مصاحبا لامتلاك السلطة وكسلاح بيد البرلمان يستعمله في مقابل حله، حيث يتحمل كل من يمتلك السلطة ولديه صلاحية ممارستها، ما يأتيه من تصرفات وأعمال. وتنعقد المسؤولية السياسية حينما يرتكب وزير بمفرده أو الحكومة أخطاء تتعلق بأداء المهام السياسية، كأن تعجز الحكومة عن تطبيق البرنامج العام أو تنحرف عن مقتضيات السياسة العامة بشكل يضر بالمصلحة العامة. و مبدأ المسؤولية السياسية لا ينصب على الحكومة فحسب، بل يمتد بصيغة أشمل إلى السلطة التنفيذية بقطبيها أي رئيس الدولة والحكومة.

تقوم المسؤولية السياسية للسلطة التنفيذية على أساس اختلال توازني واضح على مستوى طرفيها، بخضوع الحكومة لمساءلة سياسية كاملة كلما قامت بكل ما من شأنه أن ينحرف عن السياسة العامة ولا يتفق ومصالح الدولة، والتي قد تسفر عن إقالة الحكومة برمتها بصفة جماعية وكهيئة متضامنة، أو قد تكتفي في أحسن الأحوال بإحراجها بكشف اختلالاتها وإضعافها. ولا تخفى قيمة المسؤولية السياسية كنظام ضابط ومحدد لنوعية العلاقة بين السلط خصوصا التنفيذية والتشريعية، التي تجد لها متنفسا لمراقبة ومتابعة العمل التنفيذي عبر آليات متنوعة تصب كلها في اتجاه خلق التوازن المفتقد.

تُعدُّ مسئولية الحكومة أمام البرلمان ضماناً ضد الدكتاتورية , وتحول دون حدوث الثورات والانقلابات العسكرية , فالدول التي طبقت المسئولية السياسية للحكام لم تحدث فيها ثورات أو انقلابات ، ومن ثم تتمتع باستقرار سياسي , كانجلترا ـ مثلاًـ إذ إنّ إعمال المسئولية السياسية يعني إبعاد كل من يتجه نحو الدكتاتورية عن السلطة بالوسائل السلمية , ومن ثم تتجنب البلاد الثورات والانقلابات والمساوئ التي تنجم عقب نشوب أي منها.

وكذا تعد نظرية المسئولية السياسية للحكومة أمام البرلمان هي الضمان الأكثر بإعادة التوازن إلى عملية النظام العام  وضبط سير المؤسسات الدستورية  وتنظيم العمل السياسي حتى لا تُترك مصالح الوطن عرضةً للأهواء السياسية  والأمزجة الحزبية  والخلافات الشخصية[4].

وبعد تقديم هذا الجانب المعرفي اللازم عن أهم الأدوات الرقابية للسلطات التشريعية على أعمال الحكومة أو السلطة التنفيذية، وبالطبع فهذا لا يعني وقوف هذه الأدوات الرقابية عند تلك الأدوات السابق ذكرها، فهناك على سبيل التمثيل الاقتراح برغبة وجلسات الاستماع العامة واستطلاع الرأي وطلبات الإحاطة والبيانات العاجلة، كما أنه يدخل ضمن حدود الرقابة البرلمانية امتداد الرقابة على تصرفات الحكومة المالية ، وتعد الرقابة على المال العام والمساءلة عن كيفية إنفاقه أهم الأسس التي يقوم عليها أي نظام سياسي ديمقراطي، فالمساءلة واطلاع الرأي العام على كيفية طرق استعمال الدولة أو الجماعات المحلية للمال العام أصبح يعتبر حقا من حقوق الإنسان والمجتمع، فالرقابة هي الوظيفة التي تسعى بها الأجهزة المختصة للتأكد من سلامة تنفيذ توجيهات الحفاظ على الأموال العمومية وحسن إدارتها، ونجاح الرقابة البرلمانية رهين بتوفر الإطار القانوني والإمكانات المادية والبشرية التي توضع رهن تصرف النواب للحصول على المعلومات، وتختلف طرق ومستويات تدخل البرلمان في ممارسة الرقابة على الأموال العمومية حسب التنظيم الدستوري في كل بلد، وتقوم الوظيفة الرقابية للبرلمان إلى جانب وظيفته التشريعية، إذ يتمكن البرلمان من تحقيق توازن القوى وتعزيز دوره كمدافع عن المصلحة العامة.

ومما لا شك فيه أن جدية وقيمة الرقابة البرلمانية تتوقف بشكل أساسي على أعضاء البرلمان أنفسهم، وعلاقاتهم بالسلطة التنفيذية، ومدى استقلالهم، وقدراتهم الشخصية. وتستهدف الرقابة البرلمانية التحقق من مدى مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية، وعدم الانحراف عن استهداف الصالح العام، وتمثل الرقابة جانبا ذات أهمية كبيرة من أنشطة البرلمان في الدول الحديثة، لا تقل بحال من الأحوال عن مهمة التشريع ضمانا لالتزام السلطة التنفيذية بمبدأ المشروعية.

وإذا ما عاودنا الحديث عن مجلس النواب المصري ومدى استخدامه لهذه الأدوات الرقابية الممنوحة له بمقتضى الدستور المصرين ولائحة مجلس النواب، ولكن مع كل هذه الترسانة أو الأسلحة الدستورية و القانونية، إلا أننا لم نرى فيما يخص ما يمر بالشعب المصري من حوادث خلال الفترة الآنية بمرارتها وثقلها على الشعب المصري، والتي أخصها ما تتعرض له هيئة السكك الحديدية المصرية من تكرار لحوادث راح ضحيتها مواطنون ليس لهم أي جريرة سوى استخدام تلك الوسيلة من وسائل النقل، لم نرى أي أثر لكل هذه الأدوات الرقابية، وكأنها لم توضع لمثل هذه الأزمات، وأن هذه النصوص قد صيغت أصلاً من أجل الحفاظ على حقوق المواطنين تجاه السلطة التنفيذية، وكأن مجلس النواب بعيداً عن هذه المشكلات، أو أنها تخص شعب مغاير عن الشعب الذي ينوب عنه، أو أن هذه الكوارث لا تشكل قدراً كبيراً أو مستحقاً من الأهمية لدى أعضاء مجلس النواب تقتضي أن يقوم البعض منهم بتفعيل أي من كل هذه الأدوات الرقابية المخولة له بمقتضى نصوص الدستور، فهل من الممكن أن يكون سبب ركون المجلس عن تفعيل أدواته الرقابية يعود سببه إلى بنية تكوين مجلس النواب ذاته، فلعل سيطرة حزب مستقبل وطن على أغلبية مقاعد البرلمان تجعله يسيطر بشكل فاعل على مجريات المجلس برمته، حيث أن   أن حزب مستقبل وطن حصل على الأغلبية بواقع 317 مقعد منهم 145 مقعد بالقائمة و172 مقعد فردى بنسبة 52.8% من مقاعد المجلس المنتخبة[5]، ويليه المستقلون بنحو 92 مقعدا بنسبة 16% ثم حزب الشعب الجمهوري بنحو 49 مقعد  بنسبة 9% والوفد بنحو 25 مقعد منهم 21 مقعد قائمة و4 فردى بنسبة 4% وحماة وطن حصل على 23 مقعدا منهم 19 قائمة و4 فردى بنسبة 4% ومصر الحديثة على 13 مقعد منهم 12 قائمة وواحد فردى  بنسبة 2% والحرية على 7 مقاعد منهم 5 قائمة و2 فردى والنور على 7 فردى بنسبة 1% والمؤتمر على 8 مقاعد والإصلاح والتنمية على 9 مقاعد بالقائمة والمصري الديمقراطي على 7 بالقائمة والعدل على مقعدين بالقائمة والتجمع على 6 منهم 5 قائمة ومقعد فردى وإرادة جيل على مقعدين بالقائمة.

 

 وإن كانت تلك الهيمنة تعود بالتاريخ المصري النيابي إلى ما يذكرنا بحالنا ما قبل ثورة يناير، وإن كان أيضا من الممكن تحميل ذلك لسبب رئيسي يتمثل في القانون الذي في ظله تمت تلك الانتخابات النيابية، والذي سمح بأن يكون الشكل النهائي لمجلس النواب المصري كذلك. ولكن هناك بعض الأعضاء المنسوب عضويتهم إلى أحزاب مغايرة عن حزب مستقبل وطن أرى أن انتماءاتهم الحزبية التي تسمى بالمعارضة كانت أجدر بأن تدفعهم دفعاً إلى التقدم باستخدام أي من كل هذه الأدوات الرقابية حيال أي من هاتين الأزمتين، حتى ولو من قبيل السعي النيابي لكشف موقف غيره من الأحزاب التي لم تقم بتفعيل تلك الأدوات، أو لكشف موقف غيره من الأعضاء، ولكن والمصاب جلل لا نرى أي تفعيل حقيقي لمكنون عمل مجلس النواب، وأعود بكم إلى حادثة قطار الصعيد القديمة والتي لم ينتج حينها مجلس الشعب سوى لجنة لتقصي الحقائق ، وللأسف لم ينتج عمل تلك اللجنة حينها شيء قد يهم في تغيير السياسات الحكومية حينها وقد انتهت القصة  بمحاكمة صغار موظفي السكة الحديد جنائياً، وقد انتهت تلك المحاكمة بالقضاء بالبراءة لهم جميعا، كما أن محكمة جنايات الجيزة والتي كانت تنظر تلك القضية قد ناشدت الجهات الحكومية والنيابة العامة بسرعة التحقيق مع كبار الموظفين الذين تسببوا حينها في وقوع هذه الحادثة، فقد جاء بهذا الحكم في القضية رقم   2816 لسنة 2002 جنايات الجيزة قول المحكمة التاريخي حينها ”  والمحكمة في هذا المجال تهيب بقيادات الدولة الرشيدة التي أنجبتها مصر وندين لها جميعا بالولاء تهيب المحكمة بهذه القيادات النقية الطاهرة وعلى رأسها القيادة السياسية وهى قادرة على ذلك بإذن الله على وضع الأمور في نصابها وتصحيح المسار لاختيار الأصلح لهذه المواقع سيما المتصلة بجمهور المواطنين فيضاف إلى الشفافية والطهارة الكفاءة والقدرة على إدارة الأزمات ومواجهة المشاكل لا مخالفة القانون ولأن إلزام المواطنين بدفع غرامات تذهب إلى جيوب هؤلاء الكبار ومن ساندهم بحجة كاذبة وهى تنمية موارد الهيئة وهى في الحقيقة تنمية مواردهم هم وزيادة مخصصاتهم وسياراتهم الفارهة إذ حسب المواطن الفقير البسيط قهراً ومعاناة ولا يبقى إلا أن تسوقه هذه القيادات الفاشلة واللوائح والنظم المتخلفة إلى أن يلقى مصيره حرقا فلكل في هذا السياق مسئول والقيادة التي اختارت هؤلاء المسئولين الفاشلين والحكومة التي لم توفر لهذا المرفق الاعتمادات والاستثمارات اللازمة لتطوره والنهوض به على توفير الحد الأدنى اللازم – لتيسيره حتى توفر للمواطن الفقير الحد الأدنى من الأمان”.

 أما إذا ما عدنا أدراجنا بحثا عن الدور المطلوب من البرلمان حيال ما يحل بهذا الشعب من أزمات، فإننا لم نجد دوراً متناسباً دوما مع ما يحل بنا من أزمات أو أن يكون ما يقدمه أعضاء مجلس النواب لا يتناسب مع حجم ما يحل بهذا الوطن، وهو الأمر الذي يدفعنا دفعاً إلى البحث حول حقيقة العلاقة ما بين مجلس النواب وبين السلطة التنفيذية متمثلة في الحكومة، وذلك من الناحية الواقعية الحياتية وليس من ناحية النصوص الورقية، التي تقتضي بأي حال من الأحوال أن تكون هناك رقابة من مجلس النواب لكل ما تقوم به الحكومة من أفعال، وبشكل أخص في أوقات الأزمات التي تحل بالشعب المصري، أم أن الأمر لا يعدو سوى تفعيل لنصوص الدستور بتشكيل سلطات أسمية، حيث أن الملاحظ على هذه العلاقة ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مصر هو كونهما يسيران سويا، وكأنهما سلطة واحدة، أو بالأحرى تحركهما يد واحدة قاصدة المزج بينهما، وهذا ما تؤكده سيطرة حزب محسوب ميله على الحكومة، وهو الامر الذي يخل بالمعادلة النظرية أو النصية التي تقتضي الرقابة والمحاسبة بأشكالها المختلفة على النحو السالف بيانه، وخصوصا في أوقات تكون فيها تلك السبل الرقابية مجرد وسيلة أمان لبقاء الدولة ذاتها، في ظل تردي ملحوظ لخدمات حكومية أو انهيار متعدد في وظائف بعينها، وذلك ما يعود بالسلب على حياة المصريين، وهو ما ينعكس على علاقتهم بالحكومة أو السلطة التنفيذية من ناحية، ومن ناحية أكثر إلحاحاً على علاقة المواطنين بنواب من المفترض أن يكونوا هم الممثلين الشرعيين لهم ، وهو ما يقتضي بالتبعة أن يكونوا معبرين عن احتياجاتهم.

 

 

[1] الرقابة البرلمانية – د / حسن البحري – بحث مقدم للموسوعة القانونية المتخصصة – منشور على الشبكة الإلكترونية

[2] النص الكاملة لكلمة الختامية للدكتور علي عبد العال عبر الرابط التالي https://www.almasryalyoum.com/news/details/1412749

[3] رمضان بطيخ – الرقابة على الجهاز الإداري – دراسة علمية وعملية في النظم الوضعية والإسلامية – القاهرة 1994 -ص 363

[4] مسؤولية الحكومة أمام البرلمان -دراسة مقارنة بين ” مصر ، اليمن ، فرنسا”- صالح سالم موسى – عدن – 2009  .

[5] للاطلاع على المزيد من الاحصائيات الخاصة بتوزيع الاحزاب السياسية داخل البرلمان و اللجان النوعية عبر  هذا الرابط http://www.parliament.gov.eg/Statestics_main.aspx